للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان ثمة بين يوسف وبين الخلافة العباسية، وبينه وبين أكابر فقهاء المشرق مراسلات كثيرة. ومن جهة أخرى فقد كانت المراسيم المرابطية، تصدر في أحيان كثيرة باللغتين البربرية والعربية، لتقف عليها الكثرة الغالبة من الرعايا، وهي المتكلمة بالعربية، ومما زاد في أهمية منصب الكتابة في الدولة المرابطية، وشغله بأعلام الكتاب البلغاء، فتح الأندلس، وخضوعها للحكم المرابطي، ووجوب مخاطبتها بنفس الأساليب العربية العالية التي كانت سائدة فيها.

وأما عن شخص يوسف، فإن الرواية تصفه بأنه كان معتدل القامة، أسمر اللون، نحيف الجسم، خفيف العارضين، رقيق الصوت (١).

- ٤ -

في سنة ٤٩٨ هـ، مرض أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، واستمر يعاني من مرضه حتى اشتدت به العلة في العام التالي، ومازالت حالته تسوء شيئاً فشيئاً، حتى حم القضاء، وتوفي في يوم الإثنين مستهل شهر المحرم سنة ٥٠٠ هـ (٢ سبتمبر سنة ١١٠٦ م)، بقصره بمراكش، عن مائة عام كاملة، وبعد أن وصلت الدولة المرابطية الكبرى على يديه إلى ذروة عظمتها وقوتها.

فكان لوفاته وقع عظيم في المغرب والأندلس، ورثاه جماعة من شعراء العصر، منهم أبو بكر بن سوار، وقد أنشد على قبره مرثية مؤثرة جاء فيها:

ملك الملوك وما تركت لعامل ... عملا من التقوى يشارك فيه

يا يوسف ما أنت إلا يوسف ... والكل يعقوب بما تطويه

اسمع أمير المؤمنين وناصر الـ ... ـدين الذي بنفوسنا نفديه

جوزيت خيراً عن رعيتك التي ... لم ترض فيها غير ما يرضيه

وصل الجهاد إلى الجهاد موفقاً ... حتم القضاء بكل ما تقضيه

ويجىء ما دبرته كمجيئه ... فكأن كل مغيّب تدريه

متواضعاً لله مظهر دينه ... في كل ما يبديه ويخفيه (٢)

وقد ترك أمير المسلمين يوسف بن تاشفين عند وفاته إمبراطورية من أعظم الإمبراطوريات التي حكمها الإسلام، تشتمل على قطرين من أعظم وأهم الأقطار


(١) وفيات الأعيان ج ٢ ص ٤٨٨.
(٢) ابن عذارى في البيان المغرب (الأوراق المخطوطة المشار إليها، هسبيرس ص ٦٤ و ٦٥ و ٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>