للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى أحسن حال، لم تزل موفورة محفوظة، إلى حين وفاته " (١).

وكان يوسف فضلا عن حسن اختياره لقادته، يحسن اختيار معاونيه من الكتاب والوزراء. وكان كاتبه قبل أن يجوز جوازه الأول إلى الأندلس، أديباً أندلسياً من أهل ألمرية هو عبد الرحمن بن أسباط، أو أسبط. وكان قد نشأ أديباً مغموراً يشتغل في باب الديوان بألمرية أيام بني صمادح. وفي سنة ٤٧٢ هـ عبر البحر إلى العدوة، ولحق بمراكش يبحث وراء طالعه، واتصل بحاشية الأميرة الحرة زينب زوجة يوسف، فأسند إليه منصب الكتابة. ولما توفيت الأميرة أقره يوسف لكتابته، فظهر في هذا المنصب، ونال حظوة وجاهاً عريضاً، " وكان رجلا حصيفاً سكوناً عاقلا " وكان يوسف يثق في مقدرته وحصافته، وحسن معرفته بشئون الأندلس. وقد لعب عبد الرحمن بن أسباط دوراً هاماً في تدخل يوسف في أحوال الأندلس، واستجابته لصريخ الطوائف، وهو الذي أشار عليه، حينما قرر الجواز إلى شبه الجزيرة، بأن يطالب ابن عباد بثغر الجزيرة ليكون مركزاً أميناً لجواز جيوشه وعودتها إلى العدوة (٢). ومما هو جدير بالذكر أن يوسف بن تاشفين كان لا يعرف العربية، وكان ابن أسباط يجيد اللغة البربرية التي يتحدث بها يوسف (٣) وكان هذا من أسباب حظوته. ولما توفي ابن أسباط في سنة ٤٨٧ هـ، تولى الكتابة ليوسف من بعده، كاتب من أعظم كتاب الأندلس يومئذ، هو محمد بن سليمان بن القصيرة العروف بأبى بكر بن القصيرة، وهو الذي يصفه ابن الصيرفي بقوله: " الوزير الكاتب الناظم الناثر القائم بعمود الكتابة، والحامل للواء البلاغة، الذي لا يشق غباره، ولا تخمد أنواره، اجتمع له براعة النثر، وجزالة النظم " (٤)، وهو الذي كتب عن يوسف حين مثوله بقرطبة في سنة ٤٩٦ هـ، كتابه بتولية ولده علي ولاية عهده حسبما تقدم. ولما توفي يوسف استمر أبو بكر في الكتابة لولده علي حتى وفاته في سنة ٥٠٨ هـ (١١١٤ م)، وفي استخدام يوسف لهذين الكاتبين الأندلسيين البليغين، بالرغم من عدم معرفته بالعربية، ما يدل، على حصافته، وبعد نظره، وإدراكه لأهمية الأساليب العالية في الترسل، وقد


(١) الحلل الموشية ص ٥٩.
(٢) الحلل الموشية ص ٣٢.
(٣) ابن خلكان ج ٢ ص ٤٨٢.
(٤) ابن الخطيب عن ابن الصيرفي في الإحاطة (مخطوطة الإسكوريال السالفة الذكر).

<<  <  ج: ص:  >  >>