للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمغارم الفادحة، تغذية لقصورهم الفخمة، وبذخهم الطائل، وقد كان تماديهم في ذلك، من الأسباب التي التُمست لخلعهم والقضاء على سلطانهم. بيد أن يوسف كان يلجأ في بعض الأحيان إلى فرض الإتاوات على رعاياه، مساهمة منهم في نفقات الجهاد المستمر، الذي كان يضطلع به، وقد كان يلجأ في جواز ذلك أيضاً إلى فتاوى الفقهاء. ومن ذلك ما وقع له مع قاضي ألرية، أبى عبد الله محمد بن يحيى المعروف بابن الفراء، فإنه قرر بعد موافقة الفقهاء، أن يطالب أهل المغرب والأندلس بمعونة مالية للمساهمة في أعمال الجهاد. وكتب إلى قاضي ألمرية المذكور يأمره بتحصيل هذه الإتاوة وإرسالها، فأبى القاضي، وكتب إلى يوسف يطعن في شرعية هذه الإتاوة، وفي رأي الفقهاء الذين أجازوها، ويطالب يوسف، إن كانت خزائنه ناضبة حقاً، بأن يمثل في المسجد الجامع بحضرة أهل العلم، وأن يحلف علناً بأنه ليس لديه في بيت مال المسلمين درهم ينفقه عليهم، أسوة بما فعل عمر بن الخطاب، حين أراد فرض مثل هذه الإتاوة، وعندئذ يجوز له تحصيلها (١).

ومن جهة أخرى فإن يوسف لم يكن يحجم في بعض الأحيان، عن تحصيل الأموال بطرق استثنائية كفرض المغارم على اليهود والنصارى من آن لآخر، لظروف وأسباب خاصة. وقد ذكر لنا صاحب الحلل الموشية طرفاً من ذلك (٢).

وكان المغرب يتمتع في ظل يوسف بكثير من الإستقرار والأمن والرخاء، بعد الفتن والحروب المضطرمة، التي لبثت قبل الفتح المرابطي، زهاء نصف قرن، تمزق أوصاله، وتودى بأمنه وسلامه. ولما تم استيلاء المرابطين على الأندلس، وشعرت الأمة الأندلسية أنها أصبحت في مأمن من عدوان اسبانيا النصرانية، أتيح لها أيضاً أن تتمتع بشىء من الاستقرار والسكينة، وذلك بالرغم مما كانت تشعر به من شدة وطأة الحكم المرابطي، وجفاء أساليبه، وخشونة حكامها الجدد من زعماء البربر، وبعدهم عن تلك الكياسة التي كان يمتاز بها الأمراء والحكام من مواطنيهم. وعلى أي حال فقد عرفت الأندلس في الأعوام الأخيرة من حياة يوسف، وقبل أن يشتد عليها ضغط النير المرابطي، وتستيقظ مشاعرها الوطنية الدفينة، فترة طيبة من الهدوء والاستقرار، يصفها لنا المؤرخ فيما يلي: " أقامت بلاد الأندلس في مدته (أي مدة يوسف) سعيدة حميدة في رفاهة عيش،


(١) وفيات الأعيان ج ٢ ص ٤٨٥، والإستقصاء للسلاوي (طبعة القاهرة) ج ١ ص ١٢٢، ١٢٣.
(٢) الحلل الموشية ص ١٣ و ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>