للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإعدام إلا في حالة العصيان أو الثورة، وأنه فيما عدا ذلك فإن أقصى عقوبة تطبق في الجرائم العادية، هي " الاعتقال الطويل، والقيد الثقيل "، وهو ما تعبر عنه القوانين الجنائية الحديثة، بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة.

وقد نوهت معظم الروايات بحب يوسف للعدل وإيثاره، والعمل على توطيده، كما نوهت باحترامه لأحكام الشرع، والحرص على تطبيقها، وتعظيمه للعلماء والفقهاء، والرجوع إليهم والأخذ بآرائهم وفتاويهم. وهو ما يجمله ابن الصيرفي في قوله: " يواصل الفقهاء، ويعظم العلماء، ويصرف الأمور إليهم، ويأخذ فيها بآرائهم، ويقضي على نفسه، وغيره بفتياهم، ويحض على العدل، ويصدع بالحق، ويعضد الشرع " (١). وقد رأينا فيما تقدم في غير موطن، كيف كان يوسف يلجأ إلى رأى الفقهاء في أخطر الأمور، ومن ذلك استشارته إياهم، أولا في مسألة العبور إلى الأندلس، واستجابة صريخ الطوائف، وثانياً في خلع ملوك الطوائف، وانتزاع ممالكهم، ولم يكتف يوسف في ذلك بفتاوى فقهاء المغرب والأندلس، بل لجأ في نفس الوقت الى فقهاء المشرق، وحصل على آراء أعلام مثل أبى حامد الغزالي، وأبى بكر الطرطوشي (٢). ومما يروى في ذلك أن الإمام الغزالي كان يعجب بورع يوسف وجميل صفاته، وميله إلى أهل العلم، حتى أنه اعتزم الرحلة إلى المغرب وزيارة هذا الأمير الأمثل. ولكنه لما وصل إلى الإسكندرية وأخذ في التأهب للسير إلى المغرب، ورد إليه الخبر بوفاة أمير المسلمين، فارتد عن عزمه وعاد من حيث أتى (٣). وكان من أبرز مظاهر تمسك يوسف بأحكام الشرع، وآراء الفقهاء، موقفه من الضرائب والمغارم التي يسوغ للأمير فرضها على رعيته، فهو قد ألغى الضرائب والمكوس، التي لم يجز الدين فرضها، واكتفى بفرض ما يجيزه الشرع من ذلك، مثل الزكاة والأعشار وأخماس الغنائم، وجزية أهل الذمة. وقد كان لهذه السياسة الضريبية الرفيقة، بالأخص في الأندلس، أطيب الأثر، إذ كان ملوك الطوائف يرهقون رعيتهم بالفروض،


(١) ابن الخطيب نقلا عن ابن الصيرفي في الإحاطة (مخطوط الإسكوريال). وراجع الحلل الموشية ص ٥٩.
(٢) ابن خلدون ج ٦ ص ١٨٧ و ١٨٨. ويلاحظ أن الطرطوشي كان في الأصل من فقهاء الأندلس ولكنه نزح إلى المشرق (راجع كتاب دول الطوائف ص ٢٨٤).
(٣) ابن خلكان في وفيات الأعيان ج ٢ ص ٤٨٨، وكتاب المؤنس في أخبار إفريقية وتونس لابن دينار ص ١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>