أنحاء الأندلس، ولاسيما في الولايات الشرقية في بلنسية وسرقسطة من معارك عديدة، ضد الجيوش النصرانية، ولم يكن غريباً في مثل الظروف التي كانت تجوزها اسبانيا المسلمة يومئذ، من تخاذل أمراء الطوائف وتنابذهم، وتراميهم على أعتاب الملوك النصارى، وإشفاق البطل المرابطي، أن ينتهي الأمر باستيلاء النصارى على الأندلس، أن ينفذ يوسف مشروعه في القضاء على ممالك الطوائف، ووضع الأندلس تحت حماية جيوشه القوية المظفرة، ولم يكن في ذلك ما يصدع من نزعة الجهاد، التي كانت من أبرز صفات يوسف، والتي لبثت الجيوش المرابطية تضطرم بها من بعده عصراً.
وكان يوسف بن تاشفين جندياً عظيماً، وقائداً من أعظم قواد العصور الوسطى، وقد أبدى في سائر فتوحه المتوالية لأقطار المغرب، كفاية عسكرية واضحة، ولم يكن ظفره المستمر راجعاً إلى كثرة جيوشه ومقدرتها، بقدر رجوعه إلى براعته في تنسيق الخطط، وتنظيم القيادة، وانتهاز الفرص السانحة. وأشد ما تبدو هذه البراعة في حوادث موقعة الزلاّقة وتطوراتها، فإن النصر الباهر الذي أحرزته الجيوش المرابطية والأندلسية، في هذه الموقعة، يرجع بالأخص إلى شجاعة يوسف وثباته، وبراعة خططه، وقد كان من حسن طالع يوسف، أنه استطاع أن يعتمد في حروبه ومشاريعه العسكرية، على معاونة طائفة من أقدر القواد وأشجعهم، مثل سير بن أبى بكر، وداود بن عائشة، والأمير مزدلي، ومحمد بن الحاج وغيرهم ممن سبق ذكرهم في مختلف المواطن والحوادث.
وإلى جانب براعته العسكرية، كان يوسف يمتاز بمقدرة إدارية فائقة، وكان هذا الزعيم الصحراوي الموهوب، يحكم الإمبراطورية المرابطية الضخمة، بحزم وكفاية تدعو إلى الإعجاب، وكان إلى جانب ورعه وتقواه، صارماً شديد الوطأة، حريصاً على استتاب النظام والأمن، دائباً على تفقد بلاده وشئون رعيته. ويلخص لنا ابن الصيرفي طريقة يوسف وصرامته في قمع المعارضين والخوارج على القانون في قوله:" أكثر عقابه لمن تجرأ أو تعرض لانتقامه الاعتقال الطويل، والقيد الثقيل، والضرب المبرح، إلا من انتزى أو شق العصا، فالسيف أحسم لانتشار الداء "(١). ويبدو من ذلك أن يوسف لم يكن يلجأ إلى تطبيق عقوبة
(١) ابن الخطيب نقلا عن ابن الصيرفي في الإحاطة (مخطوط الإسكوريال السالف الذكر لوحة ٣٩٣). وكذلك الحلل الموشية ص ٥٩، وابن عذارى في البيان المغرب (الأوراق المخطوطة السالفة الذكر، هسبيرس ص ٦٥).