للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأخيه، واحترامه لإرادة أبيه، ثم بايعه من بعده سائر من حضر من الأشياخ والأكابر، وكتب علي في نفس الوقت إلى سائر قواعد المغرب والأندلس وبلاد القبلة بالصحراء، يعلمهم بموت أبيه، واستخلافه إياه من بعده، ويأمرهم بأخذ البيعة له (١). وكان علي وقت تبوئه الملك، فتى في نحو الثالثة والعشرين من عمره، وكان مولده بثغر سبتة سنة ٤٧٧ هـ (١٠٨٤ م)، عقب سقوطه في أيدي المرابطين بأشهر قلائل، وأمه أم ولد رومية اسمها قمر، وتسمى أيضاً " فاض الحسن ". وقد أنفق على فيما يبدو حداثته في سبتة (٢). ولما توفي الأمير أبو بكر أكبر أولاد يوسف وولي عهده بسبتة في سنة ٤٧٩ هـ عقب نصر الزلاّقة، وأخذ يوسف يبحث عن خلفه بين أولاده، اتجهت نيته لاختيار ولده علي، لما آنسه فيه منذ صغره من ذكاء ونجابة، وكان يصطحبه في كثير من المهام، ولاسيما عند جوازه الأخير إلى الأندلس، حينما عبر إليها ليتفقد أحوالها، وليعقد بها بيعة العهد لعلي.

وكان يوسف قبيل وفاته بقليل، قد أوصى ولده علياً بثلاثة أمور، أولها ألاّ يفعل شيئاً لإثارة أهل جبل دَرَن، ومن وراءه من المصامدة وأهل القبلة، والثاني أن يهادن بني هود أمراء سرقسطة، وأن يتركهم حائلا بينه وبين النصارى، والثالث أن يعطف على من أحسن من أهل قرطبة، وأن يتجاوز عمن أساء منهم (٣)، هذا فضلا عما اشترطه عليه حين خصه بولاية عهده، من الأمور المتعلقة بشئون الأندلس الدفاعية، وهو ما سبق أن أشرنا إليه فيما تقدم.

وكان علي بن يوسف أميراً وافر الهمة والذكاء والعزم، وكانت تحدوه رغبة صادقة، في أن يسير على نهج أبيه في الحكم، وفي متابعة الجهاد، وهو قد سار بالفعل وفق هذا المنهج، وحقق في ظله طائفة من جلائل الأعمال، وهو ما يجمله المؤرخ في قوله: " فاقتفى أثر أبيه، وسلك سبيله في عضد الحق، وإنصاف المظلوم، وأمن الخايف، وقمع المظالم، وسد الثغور، ونكاية العدو، فلم يعدم التوفيق في أعماله، والتسديد في حسن أفعاله " (٤).


(١) روض القرطاس ص ١٠٢.
(٢) روض القرطاس ص ١٠١.
(٣) الحلل الموشية ص ٦٠.
(٤) ابن عذارى البيان المغرب (الأوراق المخطوطة - هسبيرس ص ٦٧)، ونقله ابن الخطيب في الإحاطة في ترجمة علي بن يوسف (مخطوط الإسكوريال السالف الذكر لوحة ٢٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>