للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأول ولايته وقعت ثورة محلية لم تكن على شىء من الخطورة، ولكنها كانت أول بادرة في الانتقاض والخروج. وذلك أنه حينما كتب إلى القواعد والثغور بأخذ البيعة له، أتته البيعة من سائر البلاد إلا من مدينة فاس، عاصمة المغرب القديمة، وقد كان واليها عند وفاة يوسف، حفيده يحيى بن الأمير أبى بكر أخى علي المتوفى، فرفض أداء البيعة لعمه علي، وأعلن الخلاف، ووافقه على ذلك جماعة من قواد لمتونة، فبادر علي بالسير في بعض قواته إلى فاس، فخشى يحيى البادرة على نفسه، خصوصاً بعد أن تخلى عنه أنصاره، وفر من المدينة، ودخلها علي بن يوسف، وذلك في الثاني من ربيع الآخر سنة ٥٠١ هـ، وأخمدت هذه الثورة الصغيرة في مهدها. وسار يحيى صوب تلمسان ملتجئاً إلى واليها الأمير مزدلي، فلقيه بالطريق، وكان قادماً ليقدم بيعته إلى علي، فاستجار به ووعده مزدلي، بأن يسعى لدى علي في العفو عنه، واختفى يحيى في أحواز فاس حتى لقى مزدلي الأمير وقدم إليه بيعته، وشفع لديه في ابن أخيه، فعفى عنه علي، وخيره بين الإقامة في ميورقة أو في الصحراء، فاختار يحيى الصحراء، ثم سار منها إلى الحجاز فقضى فريضة الحج، وعاد إلى المغرب، واستأذن عمه علياً في سكنى مراكش، فأذن له. ولكن بدت منه عندئذ بعض بوادر مريبة، فخشى علي من نياته، وأمر بالقبض عليه ونفيه إلى الجزيرة الخضراء، فاعتقل بها حتى توفي (١).

ولم يكد على يفرغ من قمع الثورة في فاس، حتى أزمع الجواز إلى الأندلس لتفقد أحوالها، وتنظيم شئونها، فخرج من مراكش في جيش من المرابطين ومصمودة، وعبر البحر من سبتة إلى الجزيرة الخضراء في منتصف سنة ٥٠٠ هـ (أوائل سنة ١١٠٧ م)، وهناك بادر إليه زعماء الأندلس ورؤساؤها، وقضاتها، وفقهاؤها وأدباؤها وشعراؤها، فقدموا إليه بيعتهم وطاعتهم، وأنشده الشعراء قصائدهم، فعنى بالنظر في مطالبهم، وغمر الجميع بعطفه وصلاته (٢).

وعمد علي في الوقت نفسه إلى إجراء طائفة من التغييرات الإدارية الهامة، فعزل أخاه أبا الطاهر تميما عن ولاية المغرب، وعينه لولاية غرناطة بالأندلس، وجعله قائداً أعلى للجيوش المرابطية فيما وراء البحر. وعين لولاية قرطبة أبا عبد الله


(١) روض القرطاس ص ١٠٣.
(٢) الحلل الموشية ص ٦٢، وابن عذارى في البيان المغرب (الأوراق المخطوطة - هسبيرس ص ٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>