للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شديدة، ثم هزم البربر للمرة الثالثة، في وادي سليط على مقربة من طليطلة، وكانوا قد بدأوا حصارها, وبذلك سحقت الثورة، ومزق البربر وطوردوا في كل مكان، وانتعش بلج وأصحابه وقويت نفوسهم واشتدت شوكتهم (١).

وعندئذ طالب ابن قَطَن بتنفيذ الميثاق وجلاء الشاميين عن الأندلس متوجسا من بقائهم. ولكن بَلْجا كانت تحدوه أطماع أخرى، فماطل في الجلاء وسوّف، ثم كشف القناع فجأة، وادعى أنه أمير الأندلس الشرعي بعهد من عمه كلثوم، وأيده في ذلك ثعلبة بن سلامة وغيره من الزعماء. ثم نادى الشاميون بخلع ابن قطن وتولية بلج، وانحازت إليه اليمانية، ووثب بلج وأصحابه على ابن قطن وهو في قلة من جنده, فقبضوا عليه بقصره بقرطبة، وكان شيخاً قد أشرف على التسعين فلم يرحموا شيخوخته بل قتلوه وصلبوه ومثلوا بجثته، فتم الأمر بذلك لبلج بن بشر القشيري، وتولى إمارة الأندلس في أوائل ذى القعدة سنة ١٢٣ هـ (سبتمبر سنة ٧٤١ م) (٢).

ولكن الفتنة لم تنته بعد. فإن أمية وقَطَن ابنى عبد الملك فرا إلى الشمال، وحشدا جموعهما في سرقسطة، وآزرهما البلديون (العرب المحليون) والبربر، وانضم إليها جماعة من الزعماء، الذين أنكروا فعلة بلج بعبد الملك، مثل عبد الرحمن ابن حبيب الفهري كبير الجند، وكان من أنصار بلج قبل الانقلاب، وعبد الرحمن ابن علقمة اللخمي، حاكم أربونة " فارس الأندلس في عصره "، وكان قوي البأس كثير الأتباع. وانقسمت الأندلس بذلك إلى معسكرين كبيرين، معسكر الشاميين (٣) المتغلبين على الحكم، ومعسكر العرب والبربر المحليين الذين اعتبروا الشاميين دخلاء غاصبين، فعظمت الفتنة واشتد الاضطراب، وسار أمية وقطن وأنصارهما إلى قرطبة لقتال الشاميين في جيش قيل إنه بلغ نحو مائة ألف، وتأهب بلج وأنصاره للدفاع في نحو عشرين ألفاً، والتقى الفريقان على مقربة من قرطبة في شوال سنة ١٢٤ (أغسطس سنة ٧٤٢ م) ونشبت بينهما معارك


(١) المقري عن ابن حيان ج ٢ ص ٥٩، والبيان المغرب ج ٢ ص ٣٠ و٣١، وراجع أيضا: Dozy: Hist.V.I. P. ١٦٣
(٢) ابن عبد الحكم ص ٢٢٠، وابن الأثير ج ٥ ص ٩٢.
(٣) ويعرف هؤلاء الجند الشاميون أيضا " بالطالعة البلجية " نسبة إلى زعيمهم بلج (ابن الأبار في الحلة السيراء - ليدن - ص ٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>