للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيما أوصاه، بأن يهادن بني هود ملوك سرقسطة، وأن يتركهم في ملكهم حائلا بينه وبين النصارى. وكانت هذه سياسة فطنة، تتفق مع ظروف سرقسطة وموقعها في الثغر الأعلى بين الممالك النصرانية. ولكن الحوادث سارت في طريق آخر، واختلف أهل سرقسطة مع ملكهم عبد الملك بن المستعين بن هود الملقب بعماد الدولة، لارتمائه في أحضان النصارى، وتغليبهم في مصالح الدولة. وكتبوا إلى أمير المسلمين علي بن يوسف يدعونه لامتلاك بلادهم. وكان على بعد أن تلقي فتوى الفقهاء بوجوب خلع عماد الدولة، وفقاً لرغبات أهل سرقسطة، بعد أن زحفت الجنود المرابطية بالفعل من بلنسية نحو الشمال - قد أراد أن يبقى على رياسة بني هود استجابة لضراعة عماد الدولة، ولكن الحوادث سبقته، وانتهى المرابطون بالاستيلاء على سرقسطة، وذلك في اليوم العاشر من ذي القعدة سنة ٥٠٣ هـ (يونيه ١١١٠ م) ودخل ابن الحاج قصر " الجعفرية " الشهير واستقر فيه. وكان عماد الدولة حينما شعر بمقدم المرابطين، قد غادر سرقسطة في أهله وأمواله إلى حصن روطة المنيع، الواقع على نهر خالون (شلون). وهكذا انتهت مملكة سرقسطة، وانتهى ملك بني هود، وامتد سلطان المرابطين بذلك، إلى قلب الثغر الأعلى.

ولبث ابن الحاج والياً على سرقسطة بضعة أعوام، وهو يحوطها بحمايته ويرد عنها أطماع النصارى، المحيطين بها من الشرق والغرب والشمال، ويقوم بغزو أراضيهم والعيث فيها من آن لآخر. وفي سنة ٥٠٤ هـ (١١١١ م) زحف ألفونسو الأول ملك أراجون (المحارب) (١)، نحو سرقسطة ومعه عماد الدولة عبد الملك ابن المستعين حتى أصبح قريباً منها، وخرج محمد بن الحاج في قواته لمدافعته، وقدمت الجند المرابطية من مرسية على عجل يقودها واليها محمد بن عائشة، فلما رأى ألفونسو تفوق المرابطين، ارتد أدراجه، وطاردته العساكر المرابطية حيناً، واستمر المرابطون على غزواتهم المخربة في أراضيه. وسارت قوة منهم بقيادة علي ابن كنفاط اللمتوني صوب قلعة أيوب، وحاصرت بعض حصون عبد الملك بن هود، فاستغاث عبد الملك بحليفه وحاميه ألفونسو، وقدمت لمعاونته نجدة من النصارى، فانهزم المرابطون وأسر قائدهم ابن كنفاط، وبقي في أسر عبد الملك مدة ثم أخلي سبيله (٢).


(١) تسمى الرواية الإسلامية ألفونسو المحارب " ابن رذمير " نسبة إلى اسم أبيه " سانشو راميرز ".
(٢) البيان المغرب (الأوراق المخطوطة السالفة الذكر- هسبيرس ص ٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>