ولما اشتدت موجة الغزو المرابطي لأراضي قشتالة، خرج ابن الحاج في قواته من سرقسطة في شهر صفر سنة ٥٠٨ هـ (يوليه ١١١٤ م)، وانضم إليه في لاردة محمد بن عائشة في قواته. وسارت القوات المرابطية المتحدة شرقاً، واخترقت أراضي إمارة برشلونة، وهي تثخن فيها، وتستولي على مقادير عظيمة من السبي والغنائم، واستمرت كذلك حتى وصلت إلى ظاهر مدينة برشلونة العظيمة.
وعندئذ بعث ابن الحاج الغنائم والسبي مع بعض قواته لتعود من الطريق الكبير، واتجه هو بباقي قواته غرباً ليسير من طريق البرية، وهو أقصر وأقرب إلى سرقسطة، ولكنه فوجىء خلال الطريق بقوات كثيفة من النصارى متأهبة في كمائنها، فنشب القتال بين الفريقين، وقاتل ابن الحاج وقواته قتالا عنيفاً، حتى سقط معظمهم، وفي مقدمتهم - وفقاً لهذه الرواية - قائدهم الباسل، ونجا ابن عائشة وقليل من صحبه، بيد أن ابن الحاج، وفقاً لرواية ابن عذارى المتقدمة لم يقتل في هذه الموقعة، وإنما قتل في العام التالي في موقعة قرطبة التي سبق ذكرها.
ولما علم أمير المسلمين على بهذه النكبة، وما أصاب محمداً بن عائشة على أثرها من الذهول، عين صهره زوج أخته الأمير أبا بكر بن ابراهيم بن تافلوت والي مرسية، أيضاً والياً على بلنسية وطرطوشة وسرقسطة، وأمره بالسير لغزو النصارى. فجمع ابن تافلوت سائر قواته، وسار شمالا إلى برشلونة، وهو يثخن في أراضيها بالنار والسيف ثم حاصرها. وأقام على حصارها عشرين يوماً، حتى خرج إلى لقائه أميرها رامون برنجير في قوات برشلونة وأربونة، ونشبت بين الفريقين معارك عنيفة قتل فيها كثير من النصارى، وخسر المسلمون نحو سبعمائة قتيل، وارتد المرابطون بعد ذلك صوب أراضيهم (١).
وكان أبو عبد الله محمد بن الحاج من أكابر زعماء لمتونة وقوادها، وكان يتصل بصلة القرابة المتينة ليوسف بن تاشفين، إذ يرجع نسبه إلى ترقوت أو ترجوت جد العاهل المرابطي، وعرف بابن الحاج، إذ قام أبوه بأداء الفريضة وقد ظهر منذ البداية، مذ عبر إلى شبه الجزيرة مع يوسف بن تاشفين في سنة ٤٨٤ هـ، بمقدرته وأعماله العسكرية البارزة، أولا حين افتتاحه لقرطبة من يد
(١) روض القرطاس ص ١٠٤ و ١٠٥، وراجع أيضاً: F. Codera: ibid ; p. ٢٠-٢٢ هذا وقد سبق أن أتينا على رواية ابن عذارى التي تقول بمقتل ابن الحاج ضمن من قتلوا من أمراء لمتونة في موقعة قرطبة في سنة ٥٠٩ هـ.