لحياة دول الطوائف، وكانت سرقسطة حسبما تقدم من قبل، آخر القواعد التي سقطت في أيديهم، وذلك في أواخر سنة ٥٠٣ هـ (١١١٠ م).
وقد أشرنا من قبل إلى ما يمتاز به موقع سرقسطة الخاص من الناحيتين الإستراتيحية والقومية. فأما من الناحية الإستراتيجية، فقد كان بُعد سرقسطة عن موسّطة الأندلس، ومركز الحكومة الرئيسية، وموقعها الحصين على الضفة اليسرى لنهر إيبرو (إبرة)، ومناعة أسوارها العالية، تعاون المنتزين بها على تحدي الحكومة المركزية، وتوطيد استقلالهم المحلي، وكانت من جهة أخرى تجعلها حاجزاً طبيعياً بين أراضي المسلمين، وأراضي النصارى. وأما من الناحية القومية، فإن وقوع مملكة سرقسطة المسلمة بين المالك النصرانية - بين إمارة برشلونة من الشرق ومملكتي أراجون ونافار (نبرّة) من الشمال، ومملكة قشتالة من الغرب - كان يحتم عليها أن تتبع نحو جيرانها النصارى، سياسة خاصة، يغلب عليها طابع السلم والتهادن، والملق والخضوع أحياناً في صورة أداء للجزية، وذلك ْحتى تأمن شر أولئك الجيران الطامعين الأقوياء، وكان ملوك سرقسطة فوق ذلك يستخدمون في جيوشهم كثيراً من النصارى المرتزقة، ومن هؤلاء أحياناً قادة مبرزون مثل السيِّد الكمبيادور، وأحياناً كانوا يعتمدون على التحالف مع الملوك النصارى. وهكذا كانت مملكة سرقسطة تُحمل بموقعها وظروفها الخاصة، على اتباع سياسة، تجعلها في شبه عزلة عن باقي الإمارات المسلمة.
وقد كان هذا شأنها، حينما قدم المرابطون إلى شبه الجزيرة الإسبانية، وحينما بدأت جيوشهم تستولي تباعاً على قواعد الأندلس الوسطى، ثم الشرقية.
ودخل المرابطون مدينة سرقسطة حسبما قدمنا، في أواخر سنة ٥٠٣ هـ، (١١١٠ م)، استجابة لصريخ أهلها، وكانت آخر القواعد الأندلسية التي استولوا عليها.
وشعر المرابطون منذ الساعة الأولى بهذا المركز الدقيق، الذي تحتله سرقسطة في قلب هذا المعترك من الإمارات النصرانية المتوثبة، وشعروا بفداحة مهمتهم في حمايتها والاحتفاظ بها. وكانت مملكة أراجون القوية جارة مملكة سرقسطة من الشمال قد استطاعت أن تنتزع منها بعض قواعدها الشمالية الهامة مثل مونتشون، والمنارة، ووشقة، وبربشتر، ولم يبق لسرقسطة من قواعدها، سوى تطيلة ولاردة وإفراغة، وثغرها على البحر المتوسط طرطوشة.