للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت مدينة سرقسطة هدفاً لأطماع قشتالة وأراجون معاً. ففي صيف سنة ١٠٨٥ م (٤٧٨ هـ) حاصرها ألفونسو السادس ملك قشتالة على أثر استيلائه على طليطلة، محاولا الاستيلاء عليها، ولم يرفع الحصار عنها إلا حينما وافته الأنباء بمقدم المرابطين إلى شبه الجزيرة. فغادرها على عجل ليجمع سائر قواته، وليقي هزيمته في الزلاّقة في شهر رجب ٤٧٩ هـ (أكتوبر ١٠٨٦ م). ولما رأى المستعين ابن هود ملك سرقسطة يومئذ، اشتداد ضغظ النصارى على مملكته، ورأى جهة أخرى انسياب الجيوش المرابطية إلى شرقي الأندلس، واقترابها من الثغر الأعلى، اعتزم أن يتقرب من المرابطين، وأن ينضوي تحت لوائهم، فبعث إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين سفارتين متواليتين، وكان يوسف يرى أن تترك سرقسطة، حاجزاً بين المرابطين والنصارى، وبهذا أوصى ولده علياً قبيل وفاته، ولكن الحوادث تطورت فيما بعد، وانتهت باستيلاء المرابطين على سرقسطة وباقي قواعد الثغر الأعلى.

- ٢ -

لما استقر المرابطون في سرقسطة تحت إمرة قائدهم محمد بن الحاج أول ولاتها من اللمتونيين، كانت حوادث الثغر الأعلى، تنذر باقتراب الخطر الداهم، وكان النصارى قد أنشأوا منذ سنة ١٠٩١ م (٤٨٤ هـ) على ضفة نهر إيبرو اليسرى شمالي سرقسطة حصناً قوياً، يقع على قيد أربعة فراسخ فقط منها، واتخذوه قاعدة للضغط عليها، وإرهاقها من آن لآخر، وكان ألفونسو الأول ملك أراجون الملقب بالمحارب El Batallator ، والمسمى " ابن رذمير " في الرواية العربية، يترقب الفرص لمهاجمة سرقسطة، وسبر غور المدافعين عنها، وكانت قواته قد وصلت شرقاً حتى ظاهر لاردة، وأحتلت قلعة تاماريت القريبة منها وذلك في سنة ١١٠٧ م.

ولما احتل المرابطون سرقسطة، سار إليها ألفونسو في العام التالي (٥٠٤ هـ - ١١١١ م) وحاول مهاجمتها، فردته عنها القوات المرابطية بقيادة ابن الحاج ومحمد ابن عائشة والي مرسية. ثم شغل ألفونسو بعد ذلك حيناً بالحرب التي نشبت بينه وبين زوجته أورّاكا ملكة قشتالة، وانتهز المرابطون، من جهة أخرى، تلك الفرصة، فقاموا ببعض الغزوات المخربة في أراضي إمارة برشلونة، وحاصروا الثغر العظيم ذاته حسبما فصلنا ذلك من قبل. ولما قتل ابن الحاج حين عودته من

<<  <  ج: ص:  >  >>