للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلك الغزوة (٥٠٨ - ١١١٤ م)، خلفه في ولاية سرقسطة الأمير أبو بكر بن ْابراهيم بن تافلوت المسّوفي والي مرسية، وهو ابن عم أمير المسلمين علي بن يوسف وصهره - زوج أخته - فلبث في ولايتها زهاء عامين. وقد كان هذا الأمير من خيرة أمراء الدولة المرابطية، كرماً وجوداً وشجاعة، وظهوراً في ميدان الفضائل، وقد أقام خلال عهده القصير بسرقسطة بلاطاً فخماً كبلاط الملوك، واستوزر الفيلسوف الشهير أبا بكر بن الصائغ المعروف بابن باجّة، وخاض حياة باذخة فخمة، ومن حوله الأدباء والندماء، وانهمك في اللذات والشراب، وذلك كله بالرغم مما كانت تجوزه سرقسطة يومئذ من ظروف حرجة واحتمالات خطرة.

بيد أنه يبدو من إشارة لابن عذارى، أنه سار في سنة ٥١٠ هـ، إلى حصن روطة وغزاه، وأنه غزا كذلك برجة وبها عماد الدولة بن هود؛ ويبدو من إشارة أخرى لابن الخطيب، أنه قد خاض خلال تلك الفترة مع النصارى، بعض معارك دفاعية، كان لهم فيها التفوق على القوات المرابطية. ويبدو من جهة أخرى أن ألفونسو ملك أراجون، هو الذي كان يضطلع بهذه الغزوات المرهقة (١). ثم توفي الأمير أبو بكر سنة ٥١٠ هـ أو في سنة ٥١١ هـ، على قول آخر (٢). ولما اتصل نبأ وفاته بالأمير أبى إسحاق إبراهيم بن يوسف، أخى أمير المسلمين علي بن يوسف، وهو يومئذ والى مرسية، بادر بالسير إلى سرقسطة فنظر في شئونها، وضبط أحوالها، ولما اطمأن إلى توطيد أمورها عاد إلى مرسية مقر ولايته (٣).

وإنه لما يلفت النظر أنه لم يعين في تلك الآونة العصيبة، التي لاح فيها الخطر داهماً على سرقسطة، والٍ جديد يخلف على الفور واليها المتوفى، خصوصاً وقد كان أمير المسلمين علي بن يوسف موجوداً في تلك الفترة بالذات (٥١١ هـ - ١١١٧ م) في شبه الجزيرة، عقب جوازه الثالث إليها. وأعجب من ذلك هو أن علي بن يوسف، بدلا من أن يتجه بجيوشه الجرارة العابرة معه، إلى مواطن الخطر في الثغر الأعلى، يؤثر أن يضطلع بغزوات عقيمة في أراضي البرتغال، يستولي


(١) البيان المغرب (الأوراق المخطوطة، هسبيرس ص ٧٨)، والإحاطة لابن الخطيب (القاهرة ١٩٥٦) ج ١ ص ٤١٦، حيث يقول في ترجمة الأمير أبى بكر " توفي بسرقسطة في سنة عشر وخمسمائة، بعد أن ضاق ذرعاً بطاغية الروم، الذي أناخ عليه بكلكله ".
(٢) يقول بالرواية الأولى ابن الخطيب (الهامش السابق). ويقول بالثانية ابن عذارى في البيان المغرب (الأوراق المخطوطة التي عثر بها المؤلف في مكتبة جامع القرويين بفاس).
(٣) البيان المغرب (الأوراق المخطوطة السالفة الذكر).

<<  <  ج: ص:  >  >>