للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النصارى لأول مقدمهم. وجاء المحاصرون معهم بأبراج خشبية عالية تجري على بكرات لكي يستطيع المهاجمون بها محاذاة الأسوار العالية، لينصبوا فوقها الرعدات، وجاءوا كذلك بعشرين منجنيقاً ضخمة لدك الأسوار (١)، وكان الذي يشرف على آلات الحصار واستعمالها، طائفة من أهل بيارن ممن اشتركوا في حصار بيت المقدس. وتمرسوا في استعمال هذه الآلات.

واستمر حصار سرقسطة سبعة أشهر. والظاهر أنه استطال أكثر مما قدر ألفونسو المحارب وحلفاؤه. ذلك أنه في الوقت الذي كان فيه أهل سرقسطة، يعانون ويلات الحصار داخل الأسوار، كان المعسكر النصراني منذ مقدم الخريف، يعاني من نقص المؤن، ويهدده الجوع بشبحه المروع، حتى لقد فكر قادة الجيش النصراني في رفع الحصار، لولا أن شجعهم أسقف وشقة وزملاؤه، ووضعوا تحت تصرفهم ذخائر عدة من الكنائس يجلبون بثمنها الأقوات (٢). أما في داخل سرقسطة، فقد كانت الأقوات تنضب يوماً بعد يوم، خصوصاً وأن أهل المدينة المحصورة لم يتمكنوا من جني محاصيلهم لتبكير النصارى في فرض الحصار، وكان من العسير عليهم أن يتلقوا أية مؤن من الخارج، لإحكام الحصار حول المدينة، من ناحية النهر وناحية البر. ومضت الأشهر تباعاً والحال تشتد شيئاً فشيئاً، حتى " فنيت الأقوات، وفنى أكثر الناس جوعاً " (٣). ووقع خلال ذلك حادث زاد في وجوم أهل المدينة، وارتباك تدابير الدفاع، هو وفاة واليها عبد الله بن مزدلي، في أوائل جمادى الآخرة (سبتمبر ١١١٨ م). والظاهر أنه لم يخلفه في الرياسة أحد من أهل المدينة، فترك الأمر فوضى وأخذت الخاتمة المروعة تدنو شيئاً فشيئاً.

وهنا وقبل أن نتحدث عن خاتمة سرقسطة الإسلامية، يحق لنا أن نتساءل أولا، ما الذي حدث خلال الحصار من الحوادث والوقائع؟ وهل نشبت بين المسلمين والنصارى عندئذ بعض المعارك؟ ثم ماذا كان موقف المرابطين، وهل حاولوا إنقاذ المدينة المحصورة؟ وفي أي الظروف؟

فأما ما وقع خلال هذه المرحلة الأخيرة من الحصار من الحوادث والوقائع، فإن معظم الروايات الإسلامية تلتزم الصمت إزاء ذلك. بيد أنها في موطن واحد


(١) روض القرطاس ص ١٠٦.
(٢) الأستاذ Lacarra في مقاله السالف الذكر بمجلة الأندلس والمراجع.
(٣) روض القرطاس ص ١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>