للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد شد العدو غارته عليها، فجد في اتباعه وأدركه غير بعيد، فهزم الله العدو، وأظهر على يد عبد الله بن مزدلي عجائب في هذه الغزوة لم يعهد مثلها، منذ مدة بعيدة قبلها. ثم احتل بتطيلة، وتلوم بها، وأقلع الفرنج عن سرقسطة، فرأى الأمير عبد الله بعد تلومه أن ينهض إليها، فترك الحمولة ومدد قرطبة، وانتخب أنجاد العسكر، وصمم إلى سرقسطة، فدخلها في أوائل جمادى الآخرة، وقد استنشق أهلها ريح الحرب. وفي خلال ذلك اعتل الأمير عبد الله المذكور، فتوفي في رجب، فكتم وفاته أياماً، ثم انبث الخبر وعلم به رذمير، ففغر على البلد فمه، وألقى عليه زوره. وقد نفدت الأقوات، وبلغ الميقات، فدخله بالمعاهدة والأمنة في يوم الأربعاء الثالث من شهر رمضان المعظم من السنة المؤرخة (أعني ٥١٢ هـ) " (١).

وعلى أي حال، فإنه بالرغم مما يوجد بين الروايتين من اختلاف في الوقائع والتفاصيل، يمكننا أن نستخلص منهما حقيقتين هامتين: الأولى أنه وقعت قبل حصار سرقسطة، أو خلال الحصار، معارك شديدة بين المسلمين والنصارى، والثانية هو أن عبد الله بن مزدلي، آخر ولاة سرقسطة المسلمين، قد اشترك بقواته في هذه المعارك وأبلى فيها. وثمة مسألة أخرى، ينفرد بها صاحب روض القرطاس، وهي أن القوات المرابطية المشتركة، سارت لاستنقاذ سرقسطة بقيادة الأمير أبى الطاهر تميم، واشتبكت عند لاردة في موقعة شديدة مع ألفونسو المحارب، وأنزلت به هزيمة ساحقة، وأن تميماً عاد على أثر ذلك إلى مقر ولايته بلنسية، وهذه مسألة سوف نعود إلى مناقشتها.

- ٣ -

بدأ حصار سرقسطة حسبما قدمنا، في مستهل شهر صفر سنة ٥١٢ هـ (٢٢ مايو سنة ١١١٨ م)، وطوقتها قوات كثيفة من الفرنج والأرجونيين، والبشكنس والقطلان وغيرهم. وكانت سرقسطة، فضلا عن حصانتها الطبيعية بموقعها جنوبي نهر إيبرو على ضفته اليسرى، تعتمد في الدفاع على أسوارها العالية القوية، وهي ترجع إلى أصل روماني، وعلى قلعتها المنيعة، وكان قصرها الشهير المسمى بالجعفرية، نسبة إلى مؤسسه أبى جعفر المقتدر بن هود، يقع خارج الأسوار، غربي سرقسطة على قيد نحو ميل منها، وعلى مقربة من النهر، ومن ثم فقد احتله


(١) البيان المغرب من الأوراق المخطوطة التي عثر بها المؤلف في مكتبة جامع القرويين بفاس.

<<  <  ج: ص:  >  >>