وأكابرها المسلمين، من الحكام والعلماء والقضاة وغيرهم، على نحو ما وقع عند سقوط طليطلة. ويقول لنا ابن الكردبوس، إن من غادرها من أهلها عند دخول النصارى بلغ خمسين ألفاً، بيد أنه يبدو هذا العدد مبالغ فيه. ولما رأى ملك أراجون كثرة المهاجرين من المسلمين فيما بعد، وخشى أن ينهار عمران المدينة، أصدر أمره بمنع هجرة المسلمين إلا بإذن خاص، وكان المهاجرون يقصدون بالأخص بلنسية، وقواعد شرقي الأندلس.
وكان سقوط سرقسطة، بعد سقوط طليطلة، ضربة جديدة قاصمة للأندلس، وكان نذيراً بسقوط باقي قواعد الثغر الأعلى في يد مملكة أرجوان، التي لم تكن منذ ربع قرن تشغل سوى رقعة صغيرة في شمالي مملكة سرقسطة، ثم أخذت تنمو بسرعة على حساب المملكة الإسلامية، ثم كان نذيراً في نفس الوقت بتصدع الجبهة الدفاعية في شمالي شرقي الأندلس، وهي التي كانت سرقسطة معقدها المنيع، ومن ذلك الحين تواجه منطقة بلنسية، خطر العدوان النصراني المباشر من الشمال، كما كانت تواجهه من الغرب. وأخطر من ذلك كله ما أصاب هيبة المرابطين العسكرية بسبب هذه الضربة من تصدع وانهيار، وقد كانت هذه الهيبة، منذ الزلاّقة ثم أقليش في أوج قوتها، ثم أخذت منذ أقليش تخبو شيئاً فشيئاً، حتى جاء سقوط سرقسطة فأصابها بأول ضربة حقيقية، هزت من أركانها في أنحاء شبه الجزيرة، ومن ذلك الحين تضطرم اسبانيا النصرانية ضد المرابطين بروح مضاعف من التحدي والعدوان والثقة بالنفس.
- ٥ -
وما كاد ألفونسو المحارب يستقر في سرقسطة وينظم شئونها، حتى اعتزم أن يتابع ظفره بافتتاح ما بقي من قواعد الثغر الأعلى ومعاقله، وكانت تطيلة قد سقطت في يده قبيل سقوط سرقسطة بنحو عامين في سنة ١١١٧ م (٥١١ هـ)، فسار في قواته نحو طرسونة الواقعة جنوب غربي تطيلة واستولى عليها، وأعاد بها مركز الأسقفية القديمة، ثم سار منها إلى برجه (١) الواقعة في جنوب تطيلة، واستولى عليها، وافتتح عدة أخرى من الحصون والبلاد الواقعة في تلك المنطقة، ومنها ألاجون، ومالن، ومجايون وأبيلا وغيرها، وتمت هذه الفتوح كلها في سنة ١١٢٠ م