والعيون والأنهار الغزيرة، وما تمتاز به من حسن الموقع، وروعة العمارة، وازدهار العمران، وكونها عاصمة الأندلس. وكان لهذه الدعوة المقرونة بالعون والإنجاد، وهذا الإغراء بصفات الحاضرة الإسلامية التالدة، أثرها في نفس ألفونسو المحارب، وفي شحذ همته، وإذكاء أطماعه، وكان يشعر عندئذ أن الظروف ممهدة، وأن تضعضع قوى المرابطين منذ موقعة كتُندة، مما يسهل له السبيل إلى اختراق الأندلس، وتحقيق الغاية المنشودة.
فخرج من سرقسطة في أول شعبان سنة ٥١٩ هـ (سبتمبر سنة ١١٢٥ م) في قوة مختارة من أربعة آلاف، وقيل في خمسة آلاف فارس مع أتباعهم من من الرجّالة والرماة، وقد بلغوا خمسة عشر ألفاً، وكان معه الكونت جاستون دي بيارن الذي اشترك في حملة سرقسطة، وفي ركبه عدد من رجال الدين في مقدمتهم أسقفا سرقسطة ووشقة، وقد تعاهدوا جميعاً وتحالفوا بالإنجيل على ألا يفر أحد منهم (١)، وهكذا كان للحملة طابعها الصليبي، الذي طبع سائر الغزوات والحملات النصرانية، منذ حصار سرقسطة. وسار ألفونسو بحملته شرقاً، واخترق أراضي لاردة وإفراغه الإسلامية، وهو يعيث فيها، ثم انحرف جنوباً ودخل أراضي مملكة بلنسية، وهو ينسف الزروع ويحرق القرى، وقاومته في بلنسية قوة مرابطية، بقيادة أبى محمد يدّر بن ورقاء (أواخر شهر رمضان)، وكان من الصعب أن تجتمع القوات المرابطية للوقوف في وجهه، لأنه حرص على إخفاء وجهته الحقيقية، ولبث طول الوقت متحركاً في قواته. وفي أثناء ذلك كانت جموع المعاهدين تهرع إلى الانضمام إليه حيثما وجد، حتى اجتمعت له أعداد وفيرة، وكانوا يدلونه على الطرق والمسالك، ويكشفون له مواطن الضعف لدى المسلمين، في المدن والحصون التي يمر بها. ولما غادر بلنسية سار منها إلى جزيرة شُقْر فقاتلها أياماً، ثم رحل منها إلى دانية، فعاث في واديها، وقاتلها ليلة عيد الفطر من هذه السنة، واستمر في مسيره مخترقاً شرقي الأندلس مرحلة مرحلة، ومنازلا سائر قواعده وحصونه، ماراً بشاطبة، وألش وأوريولة، حتى وصل إلى مرسية، ثم اجتاز منها إلى بيرة، فالمنصورة، فبرشانة، حيث توقف أياماً.
ثم سار إلى مدينة بسطة، وحاول منازلتها وافتتاحها، لسهولة موقعها، وضعف
(١) الحلل الموشية ص ٦٧. وهو الذي يأخذ بالتقدير الأول. ويأخذ ابن عذارى في البيان المغرب بالتقدير الثاني (الأوراق المخطوطة السالفة الذكر - هسبيرس ص ٨٣).