للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هدمها لما يدلي به صرحها الشامخ من تطاول المعاهدين، فأمر بتحقيق رغبتهم، وخرج أهل غرناطة لهدم الكنيسة المذكورة، في آخر جمادى الآخرة سنة ٤٩٢ هـ، فصيرت في الحال ركاماً، وغدت قاعاً صفصفاً (١).

ويحاول دوزي أن يصور هذا الحادث - هدم الكنيسة - في صورة اضطهاد عام أنزله المرابطون بالنصارى المعاهدين، ويقول لنا إن هذا الاضطهاد شمل هدم الكنائس بصفة عامة، وشمل أيضاً أشياء أخرى لا يستطيع أن يتكهن بها، لأن الرواية الإسلامية تلتزم الصمت إزاء ذلك، ومن ثم فإنه يحاول أن يصور لنا استدعاء النصارى المعاهدين لألفونسو المحارب في صورة الإستغاثة والانتقام لما نزل بهم من صنوف الاضطهاد المضني (٢). ويتابعه في هذا المعنى المستشرق الإسباني سيمونيت، فيقول لنا إن نصارى مملكة غرناطة، كان قد وقع عليهم اضطهاد شديد من جراء تعصب المرابطين، فهدمت كنائسهم، وطورد قساوستم وانتهكت رسومهم، وبعد أن صبروا على هذا الاضطهاد أعواماً، اعتزموا أن يطلبوا عون الملك ألفونسو المحارب، وكان قد اشتهر في أنحاء شبه الجزيرة بقوته وفتوحاته وانتصاراته ضد الكافرين (يريد المسلمين) (٣). ولكن سنرى أن هذا الاستدعاء لملك أراجون، وما اقترن به من صنوف الاستعداد والتحفز الخطر، لم يكن كما قدمنا، سوى مؤامرة كبرى دبرها النصارى المعاهدون لضرب الأندلس المسلمة في الصميم.

ذلك أنه لما ترددت أصداء انتصارات ألفونسو المحارب، في جنبات الأندلس، وشعر المعاهدون بأن فرصة العمل قد سنحت، بعثوا إليه بكتبهم ورسلهم المتوالية، يلحون عليه في غزو الأندلس وافتتاح غرناطة. وقد كانت غرناطة حسبما تقدم قاعدة الحكم المرابطي في الأندلس، وكان لهذه الصفة فيما يبدو أثرها في قيام المعاهدين بها، بالدور الرئيسي في هذه المؤامرة. وبعث أولئك المعاهدون إلى ألفونسو زماماً يشتمل على أسماء اثنى عشر ألفاً من أنجاد مقاتليهم، على أهبة لمعاونته، وأنه يوجد غيرهم جموع غفيرة مستترة على قدم الأهبة، وبعثوا إليه في نفس الوقت بأوصاف غرناطة، وما تشتمل عليه من الثروات والمحاصيل الجمة،


(١) الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب (القاهرة ١٩٥٦) ج ١ ص ١١٤.
(٢) Dozy: Recherches. V. I. p. ٣٤٨ & ٣٤٩
(٣) F. J. Simonet: Historia de los Mozarabes de Espana, p. ٧٤٥

<<  <  ج: ص:  >  >>