كان فيها إلى نجدة، فظن الناس أنه ينوي الانسحاب، فاختل الأمر، وكثر الفرار، وفي الغد هجم النصارى على محلة المسلمين، واستولوا عليها، ووقعت الهزيمة على المسلمين (مارس سنة ١١٢٧ م).
وسار ألفونسو بعد ذلك في قواته نحو الجنوب الشرقي، واخترق جبال سييرّا نفادا (جبل الثلج)، وانحدر إلى الشاطىء نحو وادي شلوبانية العميق المتحصن المجاز، ويروى أنه قال عند رؤيته:" أي قبر هذا لو ألفينا من يرد علينا التراب ".
ثم سار غرباً نحو مدينة بلِّش مالقة، وأنشأ بها مركباً صغيراً يصيد له حوتاً، أكل منه " كأنه نذر كان عليه وفي به، أو حديث أراد أن يخلد عنه ". ثم عبر جبال سييرّا نفادا مرة أخرى، عائداً إلى غرناطة، وعسكر بقرية دلر على مقربة منها، ثم انتقل منها إلى قرية هَمْدان الواقعة في جنوبها، وهنالك وقعت بينه وبين المسلمين معركة شديدة ثم انتقل بعد يومين إلى " المرج " La Vega، وفرسان المسلمين في أثره تضيق عليه، ثم نزل بعين أطسة، وهي على أتم الأهبة والحذر، وسار بعد ذلك إلى وادي آش، وقد أصيب كثير من عسكره، خلال المناوشات العديدة التي وقعت بينه وبين المسلمين، ولما رأى أنه لم يحقق بغزوته الطويلة المدى، أي هدف يذكر، عول على العود إلى بلاده، فاتجه شرقاً نحو مرسية، فشاطبة فبلنسية، وقد لحق بعسكره خلال السير نحو عشرة آلاف من النصارى المعاهدين، الذين فروا من مواطنهم خيفة الانتقام والهلكة، هذا والعساكر الإسلامية تلاحقه في كل موطن، والوباء يعصف بعسكره، حتى وصل إلى بلاده مفلولا، قد حطمه وجنده الإعياء والوهن، وذلك بعد أن أنفق في غزوته خمسة عشر شهراً، وهو مع ذلك، " يفخر بما ناله في سفره من هزيمة المسلمين، وفتكه في بلادهم وكثرة ما أسر وغنم "(١).
تلك تفاصيل غزوة ألفونسو المحارب الشاملة، لأقطار الأندلس الشرقية والجنوبية، وهي قد انتهت بعد المعارك والمناوشات العديدة, التي خاضها مع المسلمين، إلى فشل مطبق، ولم يحقق ملك أراجون من ورائها أية نتيجة عملية.
(١) راجع في تفاصيل غزوة ألفونشو المحارب للأندلس، الحلل الموشية ص ٦٦ - ٧٠، وابن الخطيب في الإحاطة (القاهرة ١٩٥٦) ج ١ ص ١١٦ - ١١٩، وكلاهما ينقل رواية ابن الصيرفي مفصلة. وابن عذارى في البيان المغرب، وهو يقدم لنا نفس الرواية. ولكن مزيدة بمعلومات وتفاصيل أخرى (الأوراق المخطوطة السالفة الذكر - هسبيرس ص ٨٤ و ٨٥). وراجع ابن الأثير ج ١٠ ص ٢٢٤.