(المغرب)، فنفيت منهم جموع غفيرة، وسيق الكثير منهم إلى مكناسة، وسلا وغيرهما من بلاد العدوة، " وهلك منهم خلال العبور والسفر عدد جم، وتفرقوا شذر مذر، وضم أمير المسلمين منهم عدداً إلى حرسه الخاص، امتازوا فيما بعد بالإخلاص والبراعة. على أن هذا التغريب لم يكن شاملا، فقد بقيت في غرناطة وفي قرطبة وفي غيرهما من القواعد، جماعات من النصارى المعاهدين، لأسباب مختلفة، لتنمو وتزدهر مرة أخرى. وقد وقع تغريب المعاهدين في شهر رمضان سنة ٥٢١ هـ (أواخر سنة ١١٢٧ م) وكانت نكبة بالغة لم يصب المعاهدين مثلها منذ بعيد (١).
وينوه المستشرق سيمونيت بما أصاب المعاهدين من جراء هذا النفي من الآلام والمحن، ويقول أن العناية الإلهية شاءت أن ترد هذه القسوة، بما أنزل بعد ذلك بقرون بالموريسكيين أو العرب المتنصرين عند نفيهم من اسبانيا من قسوة مماثلة.
وهذه مقارنة غير موفقة، لأن ما أنزلته اسبانيا بالموريسكيين قبل النفي وخلاله، من ضروب القسوة المروعة، يندر أن نجد له مثيلا في صحف الاستشهاد القومي.
٢ - التعتيب والأسوار
وقد كانت سنة ٥٢٠ هـ، هذه وهي التي وقعت فيها غزوة ألفونسو المحارب والنصارى المعاهدين للأندلس، واشتدت في نفس الوقت حركة محمد بن تومرت المهدي بالمغرب، سنة التحصينات، والمنشآت الدفاعية، سواء في المغرب أو الأندلس. فأما في المغرب، فقد شرع أمير المسلمين علي بن يوسف في تسوير حاضرته مراكش، وكانت حين إنشائها في سنة ٤٦٢ هـ، قد أقيم السور فقط حول المسجد والقصبة اللتين ابتناهما يوسف بن تاشفين. وبقيت المدينة ذاتها دون أسوار تحميها. وكان الذي أشار على أمير المسلمين بتسويرها، القاضي أبا الوليد ابن رشد، حينما اشتدت حركة المهدي، واستفتى أمير المسلمين فقهاء المغرب، والأندلس في أمره، فأفتى ابن رشد بوجوب إنشاء أسوار للمدينة، تقوم بحمايته وحماية الساكنين معه. وشرع أمير المسلمين في بناء أسوار مراكش في جمادى الأولى
(١) يراجع في ذلك الحلل الموشية ص ٦٦ و ٧٠، وابن الخطيب في الإحاطة ج ١ ص ١١٩ و ١٢٠، والبيان المغرب (الأوراق المخطوطة - هسبيرس ص ٨٦). وأشباخ في " تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين " (الطبعة الثانية) ص ١٤٧ - ١٥٠. وراجع: F. J. Simonet Historia de los Mozarabes (Madrid ١٨٩٦) p. ٧٤٦-٧٥١