فلما نمى ذلك إلى أمير المسلمين علي بن يوسف، أمر بعزله، وعين ولده أبا حفص عمر والي قرطبة والياً لغرناطة. فلما وصل إلى غرناطة بادر بالإفراج عن الفقهاء والعلماء المعتقلين، وردهم إلى بلدهم مكرمين، واستراح الناس من ظلم ينالة وجوره (١).
٣ - موقعة القلاعة
لما عاد ألفونسو المحارب من حملته الأندلسية الفاشلة، عاد إلى استئناف ْنشاطه في أراضي الثغر ضد المرابطين. وكان المسلمون ما يزالون يحتلون من الثغر الأعلى، المنطقة الواقعة شرقي سرقسطة، فيما بين نهري سنكا وسجرى فرعي إبرة، وأهم قواعدها لاردة وإفراغة ومكناسة الواقعة عند ملتقى إبرة وسجرى، وكذلك المنطقة الممتدة بعد ذلك على طول نهر إبرة، حتى مصبه عبر ثغر طرطوشة، وكان ألفونسو يرمي إلى إجلاء المسلمين عن هذه المنطقة، حتى يكفل اتصال مملكته بالبحر المتوسط عن طريق ثغر طرطوشة الهام. وكان ثغر طرّكونة الواقع شمال طرطوشة، قد سقط في أيدي النصارى قبل ذلك بنحو أربعين عاماً.
ونحن نذكر أن هذا الثغر كان من أعمال مملكة سرقسطة أيام بني هود، وأنه لما توفي المقتدر بن هود في سنة ٤٧٤ هـ (١٠٨١ م) قسمت مملكته بين ولديه يوسف المؤتمن وأخيه المنذر، وأن المنذر بن هود اختص بالجانب الشرقي من مملكة سرقسطة وفيه ثغر طرّكونة وطرطوشة. تم توفي المنذر بن هود في سنة ٤٨٣ هـ (١٠٩٠ م) وخلفه ولده الطفل سليمان الملقب بسعد الدولة، وكان الكونت رامون برنجير الثاني أمير برشلونة، ومن ورائه أحبار قطلونية، يتوقون إلى انتزاع ثغر طرّكونة من المسلمين وإعادته كما كان مركزاً رئيسياً للكنيسة القطلونية، فكتبوا بذلك إلى البابا أوربان الثاني، وهو محرك الحرب الصليبية الأولى في المشرق، فشجع مشروعهم وباركه، وأسبغ عليه الصفة الصليبية، وأصدر طائفة من المنح والمزايا الدينية لمن يشتركون في هذه الحملة. وكتب إلى سائر الأمراء والبارونات والفرسان ورجال الدين، في البلاد المجاورة، يحثهم على الاشتراك في هذه الحرب المقدسة، وهكذا جهزت حملة صليبية قوية لافتتاح طرّكونة، على رأسها رامون برنجير، وجاءت وفاة المنذر بن هود في تلك الآونة بالذات مشجعة للغزاة.
وسارت الحملة إلى طرّكونة واستطاعت انتزاعها من المسلمين بسهولة (١٠٩٠ م) لضعف وسائلها الدفاعية، وتخلي المستعين بن هود صاحب سرقسطة عن إنجادها،
(١) البيان المغرب (الأوراق المخطوطة السالفة الذكر - هسبيرس ص ٨٦ و ٨٧).