وكانت الجيوش المرابطية في الثغر الأعلى وشرقي الأندلس، خلال هذه الفترة، التي شغل فيها ألفونسو المحارب بحروبه في قشتالة وجنوبي فرنسا، تقوم بالإغارة على الأراضي النصرانية المجاورة والعيث فيها، وكانت تخرج بالأخص من طرطوشة ولاردة، وهما أهم القواعد التي بقيت بأيدي المسلمين في الثغر الأعلى، لتجتاح أراضي النصارى المجاورة في أراجون وإمارة برشلونة. ووقعت بين المسلمين والنصارى في تلك الفترة، عدة معارك، وشغل الكونت رامون برنجير الثالث أمير برشلونة، بمعاونة حلفائه الأرجونيين لرد غارات المسلمين.
فلما عاد ألفونسو المحارب إلى استئناف نشاطه ضد المسلمين، كان أهم ما يشغله هو الاستيلاء على ما بقي من قواعد الثغر الأعلى، وإجلاء المسلمين عنها. وكانت هذه القواعد، تنحصر أولا في لاردة وإفراغة ومكناسة الواقعة، في المثلث الواقع بين نهري سنكا وسجرى فرعي نهر إبرة (الإيبرو)، وثانياً في ثغر طرطوشة الواقع على البحر المتوسط عند مصب إبرة. وكان ثغر طرطوشة كما قدمنا بالأخص هدف ملك أراجون، إذ كان الاستيلاء عليه، يحقق له الاستيلاء على ما بقي من مجرى نهر إبرة، ويضمن له سلامة الملاحة في هذا النهر العظيم، ويصل ما بين مملكته وبين البحر. ومن ثم فقد وضع ألفونسو مشروعه الكبير من شقين، يتضمن الأول الاستيلاء على القواعد الإسلامية، الواقعة في مثلث نهري سنكا وسجرى، ثم يتبعها بالشق الثاني وهو الاستيلاء على طرطوشة. وأعد ألفونسو حملة جديدة قوية للبدء في تنفيذ مشروعه، واشترك في هذه الحملة كثير من الأشراف والفرسان الفرنسيين، على غرار ما حدث في حملة سرقسطة، وبدأ ألفونسو بالزحف على مدينة (مكننسة) مكناسة الواقعة عند ملتقى نهري سجرى وإبرة، وهي قاعدة حصينة، ولكن الدفاع عنها لم يكن ميسوراً لوقوعها في السهل المكشوف، فهاجمها النصارى بشدة، واضطرت إلى التسليم بعد مقاومة عنيفة، وذلك في يونيه سنة ١١٣٣ م (أواخر سنة ٥٢٧ هـ).
واتجه ألفونسو بعد ذلك إلى الاستيلاء على مدينتي إفراغة ولاردة، وبدأ الزحف على إفراغة وهي تقع على الضفة اليمنى لنهر سنكا على مسافة قريبة من شمال مكناسة. ولم يكن الاستيلاء على إفراغة بالأمر الهين، لموقعها الحصين فوق الربى العالية في نهاية منحدر وعر ضيق، تصعب مهاجمته، ويسهل الدفاع عنه. ومن جهة أخرى، فقد شعر المرابطون، من أهبة ألفونسو وعنف تحركاته، أن