للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذكاء لحماسة الجند، وأن يتولى الأساقفة والرهبان قيادة الصفوف أسوة بالقوامس (الكونتات). وهنا تختلف الروايتان الإسلامية والنصرانية في تصوير الوقائع، وبينما تقول الرواية الإسلامية إنه ما كادت الجيوش المرابطية تصل إلى إفراغة، حتى نشبت الموقعة الحاسمة بين المسلمين والنصارى، إذا بالرواية النصرانية تقدم إلينا تفصيلا آخر، وهو أنه ما كادت القوات المرابطية تصل إلى ظاهر إفراغة، وتتقدم إلى إنجادها، حتى وقعت بينها وبين النصارى معركتين متواليتين، وهزم المرابطون في الموقعتين، ولجأوا إلى الفرار، وعندئذ دب اليأس إلى أهل المدينة وعرضوا التسليم ببعض الشروط، فرفض ألفونسو كل عرض للتسليم، وصمم على اقتحام المدينة بالسيف، فانقلب المحصورون إلى مقاومة اليأس، ونظم المرابطون قواتهم، وعادوا إلى محاولة إنقاذ المدينة، ودبروا كميناً جذبوا إليه الأرجونيين، على يد قافلة من المؤن. وهنا نشب القتال واضطرمت الموقعة.

وعلى أي حال، فقد نشبت بين المرابطين وبين النصارى تحت أسوار إفراغة، موقعة من أشد وأعنف، مما عرف في تاريخ المعارك الحاسمة في الثغر الأعلى.

وتقدر الرواية الإسلامية قوات المرابطين بنحو ثلاثة آلاف فارس (١)، وهو تقدير لا يتفق في نظرنا مع ضخامة المعركة ونتائجها، وتقدرهم الرواية النصرانية بعشرة آلاف فارس (٢). وأما الجيش النصراني، فتقدره الرواية الإسلامية بإثنى عشر ألف فارس (٣). ومن المرجح على أي حال، أن القوات النصرانية كانت تتفوق في الكثرة على المسلمين. ووقع بين الفريقين قتال شديد مروع، وأبدى المسلمون يقيادة ابن غانية ضروباً رائعة من البراعة والبسالة، وقاتل الأرجونيون كذلك بفيض من الشجاعة، وكان ملكهم يقود المعركة بنفسه، وخرج أهل إفراغة، فانقضوا على النصارى من الخلف، فاشتد الأمر على النصارى، وكثر القتل فيهم، وهلكت منهم عدة كبيرة من القادة والأكابر، ومزقت صفوفهم تمزيقاً، وأصيبوا بهزيمة ساحقة، لم يصبهم مثلها منذ موقعتي الزلاّقة وأقليش (٤)، واستولى


(١) ابن الأثير ج ١١ ص ١٣، وهو يحدد القوات المرابطية على النحو الآتي: قوات قرطبة ألف فارس، وقوات مرسية وبلنسية خمسمائة فارس، وقوات لاردة مائتا فارس.
(٢) M. Lafuente: ibid ; Vol. III. p. ٢٤٨. وكذلك أشباخ في تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين (الترجمة العربية) ص ١٦٤.
(٣) ابن الأثير ج ١١ ص ١٣.
(٤) راجع في تحديد معالم الموقعة خريطة الثغر الأعلى (ص ٩١ من هذا الكتاب).

<<  <  ج: ص:  >  >>