للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القشتاليين خرجوا من طليطلة متجهين صوب قرطبة، فبادر بالسير إلى قرطبة، تم اتجه إلى لقاء العدو في قواته الخفيفة، وترك الثقل بحصن أرجونة، وفي تلك الأثناء كان القشتاليون قد وصلوا إلى حصن شنت إشتيبن على مقربة من جيان، واستولوا عليه، ثم ساروا إلى قرية براشة. وهناك التقى الفريقان، ووقعت بينهما معركة عنيفة، هزم فيها القشتاليون وقتل منهم عدد جم، وأسر قائد القشتاليين وعدة من أكابر ضباطه، واستولى المرابطون على مقادير وافرة من الأسلحة والدواب والثياب، وسار الأمير تاشفين بالأسرى والغنائم إلى قلعة رباح القريبة من ميدان المعركة، فأصلح أحوالها وحصن أسوارها، وترك الأسرى لدى أهلها، ليفتدوا بهم من يستطيعون من أسراهم، ثم عاد في قواته ظافراً إلى غرناطة (١).

وقد سجل لنا ابن القطان من أحداث هذا العام بعض صور أخرى غير أخبار الحرب والغزوات، فذكر لنا أن المجاعة اشتدت فيه بقرطبة، وانتشر الوباء بين الناس، وكثر الموت، وبلغ سعر المد من القمح خمسة عشر ديناراً، وذاعت الفوضى وكثر أهل الشر، فجد الوالي ابن قنونة في مطاردة أهله، وقتل الكثير منهم.

وفي أواخر هذا العام، أعني ٥٢٦ هـ، خرج جيش من القشتاليين بقيادة الكونت ردريجو كونثالث إلى ناحية إشبيلية وأغاروا على أراضيها من جهة حصن القليعة، وعاثوا فيها قتلا وسبياً، ثم انحدروا فجأة إلى الشَّرْف (٢) على مقربة من المدينة وقتلوا من أهله جموعاً غفيرة، وأخذ والى المدينة عمر بن الحاج اللمتوني على غرة، فبادر في قواته إلى لقاء القشتاليين بالوادي على ضفة النهر، وبعث سرية من فرسانه إلى الضفة الأخرى، فأسرت بعض القشتاليين وجاءت بهم فأمر الوالي بضرب أعناقهم أمام أعين إخوانهم في الضفة الأخرى، فاضطرم القشتاليون سخطاً وحماسة، واقتحموا النهر كالسيل المنهمر، وأطبقوا على المرابطين، ووقعت بينهما معركة عنيفة، قتل فيها عمر بن الحاج ومعظم جنده، فأغلقت المدينة


(١) ابن الخطيب في الإحاطة ج ١ ص ٤٥٩. والبيان المغرب (الأوراق المخطوطة المشار إليها هسبيرس ص ٩٤ و ٩٥).
(٢) إقليم " الشرف " في الجغرافية الأندلسية، هو السهل الممتد غرباً من إشبيلية حتى لبلة، وجنوباً حتى شاطىء المحيط، ويشمل حصن القصر، ولبلة، وولبة، وجزيرة شلطيش، وجبل العيون. وقد سمي بهذا الاسم لأنه " مشرف من ناحية اشبيلية " (الإدريسي في نزهة المشتاق. الجزء الخاص بوصف المغرب وأرض السودان ومصر والأندلس طبعة دوزي ص ١٧٤ و ١٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>