معركة عنيفة، دارت فيها الدائرة على القشتاليين، فهزموا شر هزيمة، ولجأوا إلى الفرار، وقد قتلت وأسرت منهم جموع غفيرة، واستنقذ المسلمون الأسرى والغنائم من أيدي القشتاليين، وكان ذلك في جمادى الأولى من سنة ٥٢٨ هـ (مارس سنة ١١٣٤) وقفل الأمير تاشفين في قواته ظافراً إلى قرطبة. ثم سار منها إلى غرناطة فاستقبل استقبالا فخماً، وأنشده الشعراء مهنئين، فمن ذلك قصيدة طويلة جاء فيها:
أما وبيض الهند عنك خصوم ... فالروم تبذل ما ظباك تروم
تمضي سيوفك في العدا ويردها ... عن نفسه حيث الكلام وخيم
دار هجمت بيوتها بظباك فأبدأ ... على قمم الملوك هجوم (١)
وفي شهر ذي الحجة من نفس العام (٥٢٨ هـ) خرج الأمير تاشفين أثر عيد النحر، بقوات غرناطة وقرطبة وقوات المجاهدين من الخيل والرجل، إلى الغزو، فسار نحو الغرب، وقد انضم إليه جيش إشبيلية " بفحص الريحانة " ثم سار إلى موضع تسميه الرواية " بالبكار " وهو طريق للعدو لا محيص منها. ولما رأى القشتاليون القوات المرابطية، وضعوا خطة لاجتذابها إلى هذا الموضع، وأقبل المرابطون بالفعل إليه، وندب القشتاليون نخبة من أنجادهم تبلغ نحو ألفين، فانقضت على المرابطين فجأة عند دخول الظلام، في هذا الموضع الحرج، واستطاعت أن تخترق صفوفهم في عدة مواضع، فدب الخلل بالجيش المرابطي، ونفرت الخيل وشردت واقتحمت الأخبية، وعلا الصياح بين المسلمين، وفروا من كل جانب، ووصلت سرية من النصارى إلى خيمة الأمير تاشفين، فأشار إليه بعض خاصته بأن يبادر بالفرار، فأبى، فأحدق به فرسان الأندلس وأنجاد المرابطين، وحالوا بينه وبين العدو، ووقعت بين الفريقين معركة عنيفة، والأمير تاشفين ثابت فوق فرسه، متشح بسيفه ودرعه، يشدد الضرب والطعان، قال المؤرخ " فلم ير أربط منه جأشاً ولا أشهم نفساً، في مطلع ذلك الهول "، واستطاع أحد الجند العبيد أن يقضي على قائد القشتاليين المهاجمين بطعنة نافذة، ثم انجلت الظلمة عن هزيمة النصارى، وقد اجتمعت من القتلى من الجانبين أكداس ضخمة. وفي صباح الغد سار الأمير تاشفين في قواته إلى حصن قشرش، وهو من
(١) البيان المغرب (الأوراق المخطوطة هسبيرس - ص ٩٧)، وابن الخطيب في الإحاطة ج ١ ص ٤٦٠ و ٤٦١. ولم يذكر لنا ناظم هذه القصيدة.