للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حصون المسلمين ثم غادره عائداً إلى قرطبة (١). وقد وجه إليه كاتبه أبو بكر يحيى ابن الصيرفي بهذه المناسبة قصيدة ضافية، يهنئه فيها بالسلامة، ويحذره من خدع الحرب، ويسدي إليه بعض النصائح فيما يجب أن يكون عليه القتال. وهي طويلة في نحو ستين بيتاً، نقتطف منها الأبيات الآتية:

يا أيها الملأ الذي يتقنع ... من منكم البطل الهمام الأورع

ومن الذي غدر العدو به دجى ... فانفض كل وهو لا يتزعزع

تمضي الفوارس والطعان يصدها ... عنه ويدمرها الوفاء فترجع

والليل مرضج الترايك بينهم ... صبح على هام الكماة ملمع

عن أربعين ثنت أعنتها دجى ... ألفان ألف حاسر ومقنع

لولا رجال كالجبال تعرضت ... ما كان هذا السيل مما يودع

فثبتّ والأقدام تزلق والردى ... حول السرادق في الأسنة تقرع

لا يعظمن على الأمير فإنها ... خدع الحروب وكل حرب يخدع

ولكل يوم حنكة وتمرس ... وتجارب في مثل نفسك تنجع

يا شجع الأبطال ليلة أمسه ... اليوم أنت مع التجارب أشجع

ومنها في نصائح الحرب:

واحذر كمين الروم عند لقائها ... واخفض كمينك خلفها إذ تدفع

لا تبقين النهر خلفك عندما ... تلقي العدو فنشره متوقع

اجعل مناجزة العدو عشية ... ووراءك الصدف الذي هو أمنع

وصدمه أول وهلة لا ترتدع ... بعد التقدم فالنكوص يضعضع

وجاء في ختامها في مخاطبة تاشفين وتهنئته:

يا تاشفين أقم لجيشك عذره ... بالليل والقدر الذي لا ينفع

هجم العدو دجى فروّع مقبلا ... ومضى يهيم وهو منك مروع

كم وقعة لك في ديارهم انثنت ... عنها أعزتها تذل وتخضع

النعمة العظمى سلامتك التي ... فيها من الظفر الرضى والمَقْنع

كادت تكون ولو إذاً لتزلزلت ... عنها البسيطة والجبال الخُشَّع

وهوت بأندلس عقاب لم تدع ... فيها لذكر الله صوت يرفع


(١) نظم الجمان (المخطوط السابق ذكره لوحة ٧٥). والبيان المغرب (الأوراق المخطوطة السالفة الذكر - هسبيرس ص ٩٨ و ٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>