للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في هذا التصرف بنفوذ حظيته قمر أم ولده سير، وكان عظيم الإيثار والإرضاء لها، وهي التي حملته على عزل تاشفين وإخماله إرضاء لأخيه.

ولكن شاء القدر أن يتوفى سير فجأة وفي حادث مروع مشين معاً وذلك في أوائل سنة ٥٣٣ هـ. وتلتزم الرواية الإيجاز والتحفظ في شأن هذا الحادث، ويقول لنا ابن عذارى، إن سيراً كان يركن إلى الراحة والبطالة، ويصطحب أهل الفكاهة والمجون، وأنه اقتحم ليلا على أخيه تاشفين في داره، فضربه حتى مات، وقيل غير ذلك. والظاهر، وهو ما تصرح به بعض الروايات، أن الأمر يتعلق بمحاولة مشينة، فإن ابن القطان يقول لنا، إن علي بن يوسف كان قد فتن بولده سير، وقدمه ولي عهده، ولم يكن أهلا لشىء، فعكف على البطالة، ودخل متسوراً على أخيه عمر يريد زوجته، فجرح جراحة عجلت منيته، فجزع عليه أبواه.

وكان مصرع سير على هذا النحو في آخر صفر سنة ٥٣٣ هـ (١). وعندئذ تدخلت قمر مرة أخرى لتحمل عليّ بن يوسف على تقديم ولده الأصغر إسحاق لولاية العهد، وكانت قد تبنته وعنيت بتربيته عند موت أمه. ولكن علياً اعتذر بصغر سنه وبأنه لم يبلغ الحلم، وأنه سوف يستدعي الناس إلى الجامع لأخذ رأيهم في ذلك.

واستدعى علي الناس وأكابر المرابطين، وعرض عليهم الأمر، فهتفوا جميعاً باسم تاشفين، فنزل علي عند هذه الرغبة، وعقد البيعة بولاية العهد لولده تاشفين وذلك في الثامن من شهر ربيع الآخر، ونقش اسمه في السكة، وقلده النظر في الأمور السلطانية، وكتب إلى سائر بلاد العدوة والأندلس ببيعته، فوصلت البيعات من كل جهة مؤيدة للبيعة، ومؤرخة بشهر رجب سنة ٥٣٣ هـ (١١٣٨ م) (٢).

على أن استدعاء الأمير تاشفين من الأندلس إلى العدوة، ثم أخذ البيعة له على هذا النحو، لم يكن يرجع فقط إلى ما تقدم من العوامل والظروف، وإنما كان راجعاً بالأخص إلى ما وقع في تلك الأثناء بالمغرب، من تطورات وأحداث عظيمة، ترتبت على ظهور المهدي محمد بن تومرت، ودعوته الدينية الجديدة، وما تلاها من قيام دولة الموحدين في تينملّل، واضطرام الصراع المرير بينها وبين المرابطين. وهو ما سنعني بذكره وتفصيله في موضع آخر.


(١) البيان المغرب (الأوراق المخطوطة - هسبيرس ص ١٠٤)، وابن القطان في نظم الجمان (المخطوط السالف الذكر لوحة ٨٢ ب).
(٢) البيان المغرب (الأوراق المخطوطة - هسبيرس ص ١٠٤). وابن الخطيب عن ابن الوراق في الإحاطة ج ١ ص ٤٥٤، ٤٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>