للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى سنة ٥٣٢ هـ (١١٣٧ م) وقيل بل حتى سنة ٥٣١ هـ (١). وهو إلى جانب مهامه الإدارية يضطلع بالغزوات المستمرة في أراضي النصارى حسبما فصلناه من قبل.

ثم وصلته أوامر أبيه أمير المسلمين بالعودة إلى المغرب، فعبر البحر إلى العدوة في أوائل جمادى الأولى من هذا العام (٥٣٢ هـ)، ودخل مراكش في أول رجب، وفي ركبه عدد كبير من سبى غزوة أشكونية حسبما تقدم، فاستقبله أبوه أعظم استقبال، وسعد بلقائه أو " فرح به " على قول المؤرخ. وكان مما يتصل بذلك ما يرويه لنا ابن عذارى، من أن أمير المسلمين علياً، كان قد مرض في العام السابق (٥٣٠ هـ)، واشتد به المرض، حتى كثرت الإشاعات، وساءت الظنون، وسرى القلق إلى بلاد الأندلس، فلما تلقى تاشفين خطاب والده بالعود، أسرع بالاستجابة والقفول (٢). وفي العام التالي، أعني في سنة ٥٣٣ هـ (١١٣٨ م) أصدر أمير المسلمين علي بن يوسف مرسوم ولاية عهده لولده الأمير تاشفين، عقب وفاة ولده الأكبر وولي عهده سير. وأخذ له البيعة بذلك وفقاً للقاعدة التي وضعها مؤسس الدولة المرابطية يوسف بن تاشفين، باختيار أمير المسلمين لولي عهده في حياته من بين أبنائه، وعقد البيعة له.

ولاختيار تاشفين لولاية العهد قصة فصلتها الرواية، وهي أنه في سنة ٥٢٢ هـ اختار أمير المسلمين علي بن يوسف ولده الأمير سيراً لولاية عهده من بعده (٣)، وجعل له الأمر في بقية حياته، واختار في نفس الوقت ولده الأمير تاشفين لولاية الأندلس، وولاه مدينة غرناطة وألمرية، ثم قرطبة بالإضافة إلى ما في يده.

وأبدى تاشفين في أداء مهام منصبه مقدرة وهمة مشكورة، وظهر بالأخص في ميدان الجهاد ضد النصارى، وذاع صيته في شبه الجزيرة وفي العدوة، فكبر ذلك على أخيه سير ولي العهد، وخاطب سير أباه في ذلك، وأعرب عن قلقه وامتعاضه لما ناله أخوه من بعد الصيت وحسن الذكر، وأنه قد غطى بذلك على اسمه، ونال إعجاب أهل المملكة، وأنه لم يبق له معه اسم ولا ذكر، فحاول أمير المسلمين أن يرضي ولده وولي عهده سير، باستدعاء أخيه تاشفين من الأندلس، ولما وصل تاشفين إلى مراكش، نظمه أبوه في حاشية أخيه " وصار من جملة من يتصرف بأمر أخيه، ويقف ببابه كأحد حجابه ". وكان علي بن يوسف متأثراً


(١) " روض القرطاس " ص ١٠٧. والإحاطة ج ١ ص ٤٥٤ و ٤٦١.
(٢) البيان المغرب (الأوراق المخطوطة - هسبيرس ص ١٠٣).
(٣) ابن القطان في نظم الجمان (المخطوط السابق ذكره لوحة ٣٤ أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>