للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد استوفينا فيما تقدم، ما وقفنا عليه من تفاصيل الغزوات والحروب التي قام بها الأمير تاشفين خلال وجوده في شبه الجزيرة. أما عن أعماله الإدارية وأسلوبه في الحكم، فلم نتلق الكثير. وقد لخص لنا ابن الصيرفي مؤرخ الدولة المرابطية، سيرته في ذلك في عبارات موجزة خلاصتها، أن الأمير تاشفين عنى منذ ولايته لشئون الأندلس بإصلاح الحصون، وسد الثغور، وإذكاء العيون على العدو، وتنظيم الجيش، واقتناء الخيل والسلاح، وتكوين فرق الرماة، وتوسيع الأرزاق على الجند، واستنهاض هممهم، كما عني بالغزو ومباشرة الحرب، فقام بعدة غزوات توجت بالظفر على العدو، وافتتح فيها عديد الحصون. وأما عن أسلوبه في الحكم، فإنه سار في حكم الأندلس وتمهيد أحوالها بالحزم، والتزم العدل في معاملة الرعية، وكذلك في معاملة الجند، فملك قلوب الجميع بعدله ورفقه، " ولم يكن منه إلا الجد، ولم تُنل عنده الحظوة إلا بالغناء والنجدة " (١).

وهذه أقوال يؤيدها صاحب البيان المغرب، ويجملها في قوله: " وساس (أي تاشفين) أهل الأندلس سياسة طار بها ذكره، من الاستقامة، واتباع ناموس الشريعة " (٢).

وتنوه الرواية في نفس الوقت بصفات تاشفين الشخصية، فتقول لنا إنه " كان بطلا شجاعاً حسن الركبة والهيئة لولا بخل أخل به، وأنه كان يسلك طريق ناموس الشريعة، ويميل إلى طريقة المستقيمين، وقراءة كتب المريدين. وقيل إنه لم يشرب قط مسكراً، ولا استمع إلى قينة، ولا اشتغل بلذة صيد، ولا غير ْذلك مما يلهو به الملوك من ساير اللهو " (٣). وينوه ابن الصيرفي بورعه وتقواه، وصيامه وقيامه (٤).

- ٣ -

لبث الأمير تاشفين والياً على الأندلس، وقائداً عاماً للجيوش المرابطية بها


(١) ابن الخطيب عن ابن الصيرفي، في الإحاطة ج ١ ص ٤٥٦، وراجع أيضاً الحلل الموشية ص ٩٠.
(٢) البيان المغرب في الأوراق المخطوطة المتقدمة الذكر.
(٣) البيان المغرب (الأوراق المخطوطة السالفة الذكر - هسبيرس ص ٩٠)، والإحاطة ج ١ ص ٤٥٦.
(٤) الإحاطة ج ١ ص ٤٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>