للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرابطية مركز الإدارة العامة لشئون الأندلس، وكان الحاكم العام المرابطي يعتبر أحياناً في نفس الوقت والياً لغرناطة، وكان من بين معاونيه يومئذ الكاتب والشاعر والمؤرخ البارع، أبو بكر يحيى بن محمد بن يوسف الأنصاري، المشهور بابن الصيرفي صاحب كتاب " الأنوار الجلية في تاريخ الدولة المرابطية ". تولى له منصب الكتابة، فحظى لديه وكانت له فيه مدائح جمة (١). بيد أنه لم تمض بضعة أعوام على تولي تاشفين لمنصبه، حتى صدر إليه مرسوم أبيه أمير المسلمين من مراكش في العشرين من رجب سنة ٥٢٦ هـ (٢)، بتعيينه والياً لقرطبة وبأن يجعل قرطبة " دار سكناه ومقر مثواه "، وأن يستخلف على غرناطة عند مغادرتها، أبا محمد الزبير بن عمر، ليقوم بالولاية على شئونها. وقد كان الزبير هذا من زعماء لمتونة المرموقين، ويشيد ابن الخطيب بذكره ويصفه " بندرة الزمان كرماً وبسالة، وحزماً وأصالة " (٣). ويوصي أمير المسلمين ولده في هذا المرسوم الذي دبجه قلم الوزير الكاتب أبى عبد الله بن أبى الخصال بقوله: " وعلى مقرر ما درك من العمل، فازدد من التيقظ باتساع ذرعك، وامتداد مسعاك، واستعن بالله في إعلانك وإسرارك، وخذ من أوقات ليلك الأوقات المباركة، واجعل لنظرك حظاً من سهرك، ولفكرك مستمنحاً من يديك، على مستظهر عين المشورة في مواطن الاشتباه، فإن الله سبحانه يقول لرسوله: " وشاورهم في الأمر " (٤). ويستفاد مما تقدم أن علي بن يوسف قرر أن ينقل مركز حكم الأندلس، من غرناطة إلى قرطبة لأسباب رآها، وهي أسباب ربما كانت سياسية وعسكرية في نفس الوقت.

ودخل تاشفين قرطبة والياً في شعبان من هذه السنة (٥٢٦ هـ)، وعزل واليها السابق عبد الله بن قنونة، وسير إلى إشبيلية فاعتقل بها لأسباب لم توضحها الرواية، وذلك بالرغم من قرابته لأمير المسلمين (٥).


(١) ابن الخطيب في الإحاطة (مخطوط الإسكوريال ١٦٧٣ الغزيري لوحة ٤١٥).
(٢) والظاهر أن ابن خلدون قد اعتبر أن هذا المرسوم، هو مرسوم تولية تاشفين ولاية الأندلس، ولذلك فإنه يضع تاريخ توليته لهذا المنصب في سنة ٥٢٦ هـ (كتاب العبر ج ٦ ص ١٨٦).
(٣) ابن الخطيب في الإحاطة ج ١ ص ٤٥٨.
(٤) نقل إلينا صاحب البيان المغرب بعض محتويات هذا المرسوم (وقد وردت في الأوراق المخطوطة السابقة الذكر - هسبيرس ص ٩٥ و ٩٦). وقد نشرنا في باب الوثائق بعض فقراته.
(٥) ابن القطان في نظم الجمان (المخطوط السابق ذكره لوحة ٧٢ أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>