للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما لا يمكن قبوله لأن ولاية تدمير كانت كلها من الأراضي الإسلامية. بيد أن الرواية النصرانية تلقي بعض الضوء على أخبار هذه الغزوة ومكانها، فتقول لنا إن الأمير تاشفين، قام قبيل عبوره إلى العدوة باجتياح أراضي بلدتي وبذة، وألاركون، وهما من أعمال مقاطعة قونقة الواقعة على الحدود، ثم دخل قونقة وأخضعها. وكان أهلها قد أعلنوا الخروج والثورة وذلك في سنة ١١٣٧ م (١)، وتقول الرواية الإسلامية إن تاشفين دخل أشكلونة (ألاركون؟) عنوة، وقتل كل من كان بها وسبى نساءها، واحتوى على أسلابها. ومنها عدة من النواقيس العظيمة، ودخل قرطبة وبين يديه الأسلاب والغنائم، فكان يوماً مشهوداً. ثم تضيف الرواية إلى ذلك قولها إن الأمير تاشفين حمل من سبى هذه الغزوة عند عبوره إلى العدوة في نفس العام ستة آلاف سبية (٢).

وأخيراً، فإن تاشفين قبيل مغادرته للأندلس، وحين خروجه من قرطبة قاصداً إلى العدوة، بلغه قيام النصارى بغزو منطقة جيان، فاستعد للسير إلى لقائهم.

وكان القشتاليون قد خرجوا في حشود عظيمة، وساروا نحو الوادي الكبير،

واقتربوا من بيّاسة وأبَّدة، وعاثوا في تلك المنطقة، واستعدوا لعبور النهر، ولكن الأمطار هطلت بشدة، واستمرت على هطلها عشرين يوماً حتى فاض النهر، وعجزت الخيل المغيرة عن عبوره، ووضع القشتاليون بعض المعادي فوق الماء، وحاولوا عبور النهر، فانكسر بعضها وغرق من كان فيها، وتبعهم قائد جيان فأوقع بجماعة منهم، وانصرف النصارى بعد أن هاجموا حصن شبيوطة من عمل أبدة وعجزوا عن اقتحامه. أما تاشفين فإنه لبث يترقب السير إلى الشمال، مدى أسابيع، والأمطار تهطل والسيول تغمر الطرق والبسائط وتعوقه عن السير.

فلما بلغه انصراف النصارى، ارتد من فوره صوب طريق العودة، وجاز البحر عائداً إلى حضرة مراكش، وكان ذلك في سنة ٥٣٢ هـ (٣).

- ٢ -

ومما هو جدير بالذكر أن الأمير تاشفين، كان حينما ولاه أبوه شئون الأندلس عقب وفاة عمه أبى الطاهر تميم، قد اتخذ مقره في غرناطة، التي جعلتها الدولة


(١) A. P. Ibars: Valencia Arabe ; p. ٤٧٨
(٢) نظم الجمان (المخطوط السابق ذكره لوحة ٧٩). وروض القرطاس ص ١٠٧.
(٣) ابن القطان في نظم الجمان (المخطوط السابق الذكر).

<<  <  ج: ص:  >  >>