للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي ذات يوم جمعة، من هذه السنة، دخل إلى المسجد الجامع رجل صغير القد، متواضع الهيئة، وجلس على مقربة من المحراب بإزاء الموضع المخصص لجلوس أمير المسلمين، فلما اعترض على ذلك بعض سدنة الجامع، تلا الآية " إن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ". ولما حضر أمير المسلمين علي بن يوسف، نهض سائر الحضور، إلا ذلك الرجل، فلما انتهت الصلاة بادر الرجل بالسلام على عليّ، وقال له فيما قال " غير المنكر في بلدك، فأنت المسئول عن رعيتك " وبكى. فلم يجبه أمير المسلمين بشىء. ولما عاد إلى القصر سأل عنه، فقيل له إنه قريب العهد بالوصول، وهو يؤلف الناس ويقول لهم إن السنة قد ذهبت، فأمر علي بن يوسف، وزيره عمر بن ينتان أن يكشف عن أمره ومقصده، فإن كانت له حاجة ينظر في قضائها، فقال الرجل ليس لي حاجة، وما قصدي إلا تغيير المنكر (١).

كان هذا الرجل هو محمد بن تومرت، وكان قد آب من رحلته إلى المشرق، ونزل بمراكش، بعد أن طاف ببعض مدن المغرب الشمالية، وهو يدعو للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأصل هذا الرجل من قبيلة هَرْغة إحدى بطون مصمودة الكبرى، من قوم بها يعرفون " بايسرغينن " وهم الشرفاء في لغة المصامدة. وقد ولد بضيعة، تقع في جنوبي السوس الأقصى، تسمى " بإيجلي ان وارغن " (٢). وقد اختلف في تاريخ مولده. وتضعه الرواية فيما بين سنتي ٤٧١، و ٤٩١ هـ، ويقول لنا ابن الأثير إنه توفي في سنة ٥٢٤ هـ عن إحدى وخمسين عاماً أو خمسة وخمسين عاماً، مما يجعل تاريخ مولده في سنة ٤٦٩ هـ، أو ٤٧٣ هـ، ويضع ابن خلكان تاريخ مولده في العاشر من محرم سنة ٤٨٥ هـ، وابن الخطيب في سنة ٤٨٦ هـ، وابن سعيد في سنة ٤٩١ هـ، ويضعه الغرناطي في سنة ٤٧١، وهو أقدم تاريخ ينسب إليه مولد ابن تومرت (٣). وأما عن نسبته فإن الرواية أشد تبايناً واختلافاً. ومن المتفق عليه أنه أبو عبد الله محمد بن عبد الله، ووالداه من أهل السوس، وكان أبوه رجلا فقيراً، وأمه من قوم يعرفون ببني يوسف من مسكالة من عمل السوس، وبنو يوسف هم أخواله، ومولده


(١) البيان المغرب (في الأوراق المخطوطة التي عثرنا بها).
(٢) المعجب ص ٩٩، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٢٤ و ٢٢٥.
(٣) يراجع في مولد ابن تومرت، الزركشي في تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية (تونس ١٢٨٩ هـ) ص ١، وابن الأثير ج ١٠ ص ٢٠٥، وابن خلكان ج ٢ ص ٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>