للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدولة الموحدية (١)، ويقول لنا المراكشي، إنه رأى بخط المهدي نسبته المتصلة بالحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (٢).

بيد أنه يوجد إلى جانب ذلك من المؤرخين، من ينكر هذه النسبة على

ابن تومرت ويعتبره دعيًّا فيها. ومن هؤلاء ابن مطروح القيسي، وهو يصف ابن تومرت بأنه " رجل من هرغة من قبائل المصامدة يعرف بمحمد بن تومرت الهرغي ". وقال بعضهم إنه من قبيلة جنفيسة (٣).

ونحن لا نرى في هذه النسبة العربية النبوية التي يدعيها ابن تومرت لنفسه، والتي يؤيدها بعض المؤرخين من أولياء الموحدين وكتاب دولتهم، إلا نحلة باطلة، وثوباً مستعاراً، أراد به ابن تومرت أن يدعم به صفة المهدي التي انتحلها شعاراً ْلإمامته ورياسته الدينية والسياسية، ومما يلفت النظر أن كثيراً من القبائل والأسر البربرية التي تشق طريقها إلى السلطان، تحاول دائماً أن تنتحل الأنساب العربية، كما هو الشأن في بني حمّود الذين يرجعون نسبتهم إلى آل البيت، وفي قبيلة صَنهاجة ْوهي الأم الكبرى للمتونة، صاحبة الرياسة في الدولة المرابطية، فإنها تزعم أنها تنتمي في الأصل إلى العرب اليمانية (٤).

وليست لدينا أية تفاصيل شافية عن نشأة ابن تومَرت وحداثته. وكل ما يقال لنا من ذلك أنه نشأ في بيت نسك وعبادة، وشب قارئاً محباً للعلم، وكان يسمى في حداثته " أسافور"، ومعناه الضياء لكثرة ما كان يسرج القناديل بالمساجد التي يلازمها (٥). ولكن الرواية تتبع سيرة حياته منذ سنة ٥٠٠ هـ (١١٠٦ م)، ففي تلك السنة، أو السنة التالية (٥٠١ هـ) حسبما ينقل إلينا ابن القطان، عن الشيخ يحيى ابن وسنا من أهل خمسين أصحاب المهدي - غادر ابن تومرت وطنه بالسوس في ْطلب العلم، وعبر البحر إلى الأندلس، ودرس في قرطبة حيناً، ثم جاز من ثغر ألمرية إلى المشرق (٦)، ومر في طريقه على المهدية، وأخذ بها على الإمام المازري، ثم قصد إلى الإسكندرية ودرس بها على الإمام أبى بكر الطرطوشي، وقضى


(١) الحلل الموشية ص ٧٥، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٢٥ و ٢٢٦، والزركشي ص ١.
(٢) المعجب ص ٩٩.
(٣) روض القرطاس ص ١١٠.
(٤) روض القرطاس ص ٧٥.
(٥) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٢٦.
(٦) ابن القطان في " نظم الجمان " (المخطوط السابق ذكره لوحة ٢ أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>