للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد ذلك فريضة الحج، ثم سافر إلى بغداد، وهنالك درس الفقه والأصول على أبى بكر الشاشي الملقب بفخر الإسلام، ودرس الحديث على المبارك بن عبد الجبار وغيره (١). وفي بعض الروايات أن ابن تومرت لقي الإمام أبا حامد الغزالي ودرس عليه في بغداد، وقيل بل لقيه بالشام أيام تزهده (٢). ونحن نقف قليلا عند هذه الرواية، التي يرددها كثير من مؤرخي المشرق والمغرب، إذ متى وأين كان هذا اللقاء، وفي أي الظروف؟ لقد خرج ابن تومرت من وطنه في طلب العلم في سنة ٥٠٠ أو ٥٠١ هـ، وقضى فترة في الأندلس، وفي المهدية، وفي الإسكندرية، ثم سافر لقضاء فريضة الحج، وقصد على أثر ذلك إلى بغداد، وإذن فيكون من المرجح أنه لم يصل إليها قبل سنة ٥٠٤ و ٥٠٥ هـ. وقد كان الإمام الغزالي ببغداد يضطلع بالتدريس في المدرسة النظامية بين سنتي ٤٨٤ و ٤٨٨ هـ (١٠٩١ - ١٠٩٥ م). وفي سنة ٤٨٨ هـ غادر العاصمة العباسية، في رحلته التأملية الشهيرة التي استطالت حتى سنة ٤٩٩ هـ، والتي زار فيها دمشق وبيت المقدس والإسكندرية ومكة والمدينة. وإذن فيكون من المستحيل مادياً، أن يكون ابن تومرت الذي غادر وطنه لأول مرة في سنة ٥٠٠ هـ، قد استطاع أن يلتقى بالغزالي في بغداد أو غيرها من المدن التي زارها في خلال رحلته، ثم إنه ليس من المحتمل أن يكون هذا اللقاء قد وقع عند عودة الغزالي إلى بغداد. ذلك أنه لم يمكث بها سوى فترة يسيرة، ثم رحل منها إلى نيسابور حيث قام بالتدريس فيها استجابة لدعوة السلطان ملك شاه، ثم غادرها بعد قليل إلى مسقط رأسه طوس، وانقطع بها للعبادة والتأليف حتى توفي في جمادى الثانية سنة ٥٠٥ هـ (ديسمبر سنة ١١١٢ م).

ويتضح من ذلك جلياً بطلان قصة اللقاء بين ابن تومرت والإمام الغزالي من الناحية التاريخية. وفضلا عن ذلك فإنه يوجد دليل مادي آخر على بطلان هذه القصة أو الأسطورة. ذلك أنها تقرن بواقعة أخرى خلاصتها أن ابن تومرت حينما لقي الإمام الغزالي، وأخبره بما وقع من إحراق المرابطين لكتابه " إحياء علوم الدين " بالمغرب والأندلس، تغير وجهه، ورفع يده إلى الدعاء، والطلبة يؤمنون، فقال " اللهم مزق ملكهم كما مزقوه، وأذهب دولتهم كما أحرقوه "،


(١) ابن خلدون ج ١ ص ٢٢٦، والحلل الموشية ص ٧٥، والزركشي ص ١، والمعجب ص ٩٩.
(٢) الحلل الموشية عن ابن القطان ص ٧٥، والمعجب ص ٩٩، وروض القرطاس ص ١١٠ وابن خلكان ج ٢ ص ٤٨، والزركشي ص ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>