للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه ابن تومرت، وسار مع صحبه إلى فاس، ثم إلى مكناسة. وهنالك اشتد في مطاردة المنكر، فاعتدى عليه الغوغاء بالضرب والأذى، فغادرها إلى مراكش (١).

ونظرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي اتخذها ابن تومرت شعاراً له، هي فكرة يختص بها الإسلام، وهي مشتقة مما ورد في القرآن من قوله: " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر "، وقوله: " كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر "، ومما ورد في الحديث مما شُهد بصحته قوله: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده إن استطاع، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان "، وقوله: " لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف، وعلى أحدكم السمع والطاعة ما لم يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة ".

وأساس هذه الفكرة الإسلامية، هو التضامن الاجتماعي، والمسئولية العامة عن حماية المجتمع من المنكر والرذائل التي ينهي عنها الدين. وقد تناول الإمام الفيلسوف ابن حزم القرطبي هذه النظرية في كتابه الجامع " الفِصَلْ " وشرح لنا أصولها ومغزاها، وذكر لنا فيما يتعلق بتطبيق هذا الشعار في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بأنه قد ذهبت طوائف من أهل السنة والمعتزلة والخوارج والزيدية، إلى أن سل السيوف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، إذا لم يمكن دفع المنكر إلا بذلك. فإذا كان أهل الحق في عصابة يمكنهم الدفع، ولاييئسون من الظفر، ففرض عليهم ذلك، وإن كانوا في عدد لا يرجون لقلتهم وضعفهم بظفر، كانوا في سعة من ترك التغيير باليد. ويزيد ابن حزم على ذلك، أنه يجب إن وقع شىء من الجور وإن قل، أن يكلم الإمام في ذلك ويمنع منه، فإن امتنع وراجع الحق وأذعن للقود من البشرة أو من الأعضاء، ولإقامة حد الزنا والقذف والخمر، فلا سبيل إلى خلعه، وهو إمام كما كان لا يحل خلعه، فإن امتنع من إنفاذ شىء من هذه الواجبات عليه ولم يراجع، وجب خلعه وإقامة غيره ممن يقوم بالحق لقوله تعالى: " وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " (٢).

ويعلق الإمام الغزالي أهمية كبيرة على تلك الفكرة، ويصف الأمر بالمعروف


(١) راجع الحلل الموشية ص ٧٧ و ٧٨، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٢٧.
(٢) ابن حزم في " الفصل في الملل والأهواء والنحل " (القاهرة ١٣٢١ هـ) ج ٤ ص ١٧١ و١٧٣، و ١٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>