للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تراثه ودولته. وكان قد قدم مع عمه من بلده القريب من تلمسان، في طريقه إلى المشرق، ليطلب العلم، ويقضي فريضة الحج، فسأله ابن تومرت عن شخصه وعن أحواله، ولما وقف على مقصده، قال له إن العلم والشرف والذكر التي يطلبها موجودة، وإنها تنال بصحبته، ودعاه إلى معاونته فيما هو قائم به، من إماتة المنكر، وإحياء العلم، وإخماد البدع. ويقدم إلينا ابن القطان عن لقاء عبد المؤمن بابن تومرت رواية أخرى، خلاصتها أن ابن تومرت حينما خرج من بجاية، واتخذ مقره في رابطة ملالة، وأقبل عليه طلبة العلم، كان ممن وفد عليه منهم الفقيه عبد الواحد بن عمر التونسي، وتعلق به ولازمه حيناً، وكان التونسي من فقهاء رباط تلمسان، فلما توفي، اتفق أصحابه وتلاميذه على استدعاء ابن تومرت ليقوم بالتدريس مكانه، فوجهوا إليه عبد المؤمن، وكان من تلاميذ التونسي المذكور (١). وأعجب عبد المؤمن كذلك بشخصية ابن تومرت وغزير علمه، وعول على البقاء إلى جانبه. وهنا تدخل الأسطورة مرة أخرى، فيقال إن ابن تومرت قد اطلع على كتاب في الجفر من علوم آل البيت، ورأى فيه صفة رجل يظهر بالمغرب الأقصى، من ذرية الرسول، وان إستقامة أمره، وتوطد مركزه، يكون على يد رجل من أصحابه، هجاء اسمه كاسم عبد المؤمن، ويجاوز وقته المائة الخامسة، وأنه، أي ابن تومرت، كان يبحث عن هذا الرجل أينما حل، فلما رأى عبد المؤمن وسمع اسمه " أدرك أنه هو الشخص المبتغى " (٢). وقيل إن ابن تومرت التقى بعبد المؤمن بموضع يعرف بفنزارة من بلاد متيجة، وأن عبد المؤمن كان عندئذ يشتغل بتعليم صبيان القرية المذكورة (٣). وبقى عبد المؤمن إلى جانب ابن تومرت، وانقطع إليه واختص به، ودرس عليه حيناً بملالة، تم غادرا ملالة معاً، وذهبا إلى وانشريش، وهنالك انضم إليهما رجل من قبيلة هرغة، أي قبيلة ابن تومرت، هو أبو محمد البشير. وقصد ابن تومرت وصحبه بعد ذلك إلى تلمسان، وقد تسامع الناس بخبره، وذاع صيته، فاستدعاه قاضيها، وهو ابن صاحب الصلاة، وأنبه على مسلكه، ومخالفته لعقائد أهل قطره، وطلب إليه العدول عن دعوته، فأعرض


(١) ابن القطان في نظم الجمان (المخطوط السالف الذكر لوحة ٣ ب).
(٢) ابن خلكان ج ٢ ص ٤٩، والمعجب ص ١٠٠.
(٣) المعجب عن ١٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>