للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسبب ذلك بعض الأذى. ووصل خبره إلى الأمير يحيى بن تميم بن المعز بن باديس ملك إفريقية، فاستدعاه مع جماعة من الفقهاء، فلما رأى سمته، واستمع إلى مناقشاته أعجب به وأكرمه سأله الدعاء (١). ثم غادر المهدية إلى بجاية، وجرى فيها على نفس أسلوبه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان يقوم بدعوته بلا كلل، حتى وقعت ذات يوم بسبب تشدده في إزالة المنكر، ضجة وشعب، وكان والي البلدة العزيز بن المنصور بن حماد الصنهاجي، رجلا فظاً قاسياً، فسخط عليه هو وخاصته، وأراد البطش به. ويفصل لنا ابن القطان بعض ما فعله ابن تومرت لإزالة المنكر ببجاية، وبعض ما كان بها من المناكر والبدع، فيقول إن ابن تومرت لما دخل بجاية لقى بها الصبيان في زي النساء بالضفائر والأخراس والزينة، وشواشي الخز، وألفى الأرذال قد فتنوا بذلك، وانهمكوا فيه، فشدد في مطاردته، وفي إزالة هذا الزي المنكر. ثم إنه حضر عيداً فرأى فيه من اختلاط الرجال بالنساء والصبيان المتزينين المتكحلين صوراً مثيرة، فزجرهم، ونغص عليهم اجتماعهم، فوقع الهرج، وسرى الشر، وسُلب النساء حليهن.

وسأل العزيز عن ذلك، فعرف بأنه لا سبب لهذا الهرج سوى الفقيه السوسي، وذلك حسبما كان يعرف ابن تومرت مذ كان بالمشرق. فأمر بجمع الطلبة لمناظرته، فاجتمعوا في دار أحدهم على طعام وشراب، واستدعى ابن تومرت للحضور، فأبى، فقصد إليه الكاتب عمر بن فلفول، فلاطفه وتضرع إليه حتى قبل المناظرة، واجتمع بالطلبة، وسألوه فأجابهم عن كل ما سألوا؛ وسألهم فما استطاعوا الإجابة عن شىء. وتضرع إليه ابن فلفول عندئذ بأن يترك ما هو بسبيله من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (٢). وخشى ابن تومرت العاقبة، فغادر بجاية إلى ناحية قريبة منها تسمى ملالة، ونزل في كنف أصحابها وهم من أعيان صنهاجة، فآووه وأكرموه، وطلب إليهم والى بجاية تسليمه إليه، فأبوا، ولبث بينهم حيناً يدرس العلم، وكان إذا فرغ يجلس على صخرة بقارعة الطريق قريباً من ملالة. وفي ذات يوم وفد إليه كهل وفتى حسن التكوين، رائع الجمال، ولم يكن هذا الفتى الوسيم سوى عبد المؤمن بن علي بن عَلْوي، الذي شاء القدر أن يغدو فيما بعد أعظم أصحاب المهدي، وأعظم قادته، وخليفة


(١) ابن الأثير ج ١٠ ص ٢٠٢، وابن خلكان ج ٢ ص ٤٩.
(٢) ابن القطان في " نظم الجمان " (المخطوط السابق ذكره لوحة ١٦ ب و ١٧ أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>