للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسائل سوف نعود إليها حينما نتحدث عن تعاليم المهدي الدينية. وأما فيما يتعلق بتأثير الغزالي، فإن هذا التأثير يظهر في آراء ابن تومرت ومشاريعه الدينية، وخصوصاً فيما أبداه ابن تومرت من المعارضة للتقاليد الدينية الكائنة بالمغرب، وإن هذه المعارضة كانت تعكس في صور كثيرة، ما كان قائماً من نظرية الغزالي الكلامية، وبعض النظريات الأخرى في المشرق. على أن هذا التأثر بتعاليم الغزالي، لم يصل في رأي جولدسيهر إلى الأعماق، ولم يكن كبيراً، ويلاحظ جولدسيهر بالأخص أن المهدي، بالرغم مما يوصف به في تراجمه من الورع والزهد، لم يبد قط ميلا إلى المعارف الصوفية، وإلى ذلك الجهد النفسي الذي يسمح للإنسان بالحياة في ضمير الحقائق الدينية، وهو الغرض الأساسي في بحوث الغزالي الدينية.

هذا إلى ما كان بينهما من خلاف في المناهج، وفي علم الشريعة، وفي بعض النقط الكلامية الأخرى (١).

- ٢ -

ولما أتم محمد بن تومرت بغيته من الدراسة بالمشرق، اعتزم العودة إلى المغرب، وكان قد قطع في دراسته وبحوثه مرحلة بعيدة المدى، حتى غدا على قول ابن خلدون: " بحراً متفجراً من العلم، وشهاباً وارياً من الدين ". وركب ابن تومرت البحر من الإسكندرية في أواخر سنة ٥١١ هـ (١١١٧ م) , ويقال إنه أخرج منفياً من الإسكندرية، لما ترتب من شغب على نشاطه في مطاردة المنكر. بيد أنه استمر في دعوته إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو على ظهر السفينة التي أقلته، فألزم ركابها بإقامة الصلاة وقراءة القرآن، واشتد في ذلك حتى قيل إن ركاب السفينة ألقوه إلى البحر، فلبث أكثر من نصف يوم يسبح إلى جانبها دون أن يصيبه شىء، فلما رأوا ذلك أنزلوا إليه من رفعه من الماء، وقد عظم في نفوسهم، وبالغوا في إكرامه (٢). ولما وصل إلى المهدية، نزل بمسجد من مساجدها، وليس معه سوى ركوة ماء وعصا، فتسامع به الناس، وأقبل الطلاب يقرأون عليه مختلف العلوم، وكان إذا شاهد منكراً من آلات الملاهي، أو أواني الخمر، بادر إلى إزالته وكسرها، وأصابه


(١) مقدمة جولدسيهر الفرنسية لكتاب محمد بن تومرت السابقة الذكر ص ٢٠.
(٢) ابن القطان في نظم الجمان (المخطوط السابق ذكره لوحة ١٥ ب)، والمعجب ص ٩٩ و ١٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>