للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوله ما يأتي: " أول من استنسخه، وقرأه عليّ بالمدرسة النظامية سراً من الناس في النوبة الثانية بعد رجوعي من السفر، رجل من أرض المغرب يقال له محمد ابن تومرت من أهل سلمية، توسمت فيه الملك " (١).

وليس أشد إمعاناً من ذلك كله في عالم الأسطورة. ومن ثم فإنا نجد كثيراً من المؤرخين والمفكرين يرفضون هذه الأسطورة والأخذ بها، فابن الأثير ينفيها بصراحة ويقول لنا " والصحيح أن ابن تومرت لم يجتمع به (أي الغزالي) " (٢).

ويبدي ابن خلدون ريبه فيها، ويحملها على محمل الزعم، وكذلك يعاملها ابن الخطيب (٣). وكذلك فإن البحث الحديث ينكرها وينفيها. ومن أصحاب هذا الرأي المستشرق الألماني ميللر (٤)، والعلامة المستشرق إجناس جولدسيهر.

ويستعرض جولدسيهر بنوع خاص ما في هذه القصة من مفارقات ومتناقضات تاريخية ثم يقول: " ويبدو من ذلك كله أنه يحق لنا أن نلغي من ترجمة ابن تومرت قصة الغزالي، فهي غير مقبولة إطلاقاً، سواء من حيث ترتيب الحوادث الزمنية، أو من حيث منطق الحوادث نفسها. وكل ما هنالك أننا نرى فيها تحقيقاً لحاجة الناس، بأن يجدوا سبباً موجباً، غير الصفات الشخصية، لارتفاع رجل، وصل في لمعة نور خارقة إلى السلطان، وإلى سحق الدولة القائمة " (٥).

على أن ذلك كله لا يعني أن ابن تومرت لم يتأثر في تعاليمه الدينية بآراء الغزالي ونظرياته. ومن المسلم به أن ابن تومرت، قد تأثر خلال درسته بالمشرق بالنظريات المشرقية في علوم الكلام والأصول والسنة. ويقول لنا ابن خلدون، إنه تأثر بتعاليم الأشعرية، وأخذ عنهم، واستحسن طريقتهم في الانتصار للعقائد السلفية والدفاع عنها، وفي تأويل المتشابه من القرآن والحديث (٦)، وهي


(١) هذا ما ورد في مقدمة العلامة جولدسيهر الفرنسية لكتاب " أعز ما يطلب " الآتي ذكره (ص ١٩) ولكنا نجد هذه العبارة في مخطوطي دار الكتب المصرية من هذا الكتاب (رقم ١٨٠ و ٢٠٤ مجاميع).
(٢) ابن الأثير ج ١٠ ص ١٠١.
(٣) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٢٦، وابن الخطيب في الإحاطة في (القاهرة ١٩٥٦) في ترجمة إدريس بن يعقوب بن عبد المؤمن ج ١ ص ٤١٧ و ٤١٨.
(٤) A. Muller: Der Islam in Morgen und Abendland (Berlin ١٨٨٥) B. II. p. ٦٤١
(٥) مقدمة العلامة جولدسيهر ( I. Goldziher) لكتاب محمد بن تومرت (أعز ما يطلب) Le Livre de Mohamad Ibn Toumert (Alger ١٩٠٣) Introduction, p. ١٢
(٦) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>