للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونزل ابن تومرت بالحاضرة المرابطية، وكان ذلك في سنة ٥١٤ هـ (١١٢٠ م) وعكف على طريقته في مطاردة المنكر وإزالته، كلما استطاع إلى ذلك سبيلا، والتقى في المسجد الجامع بأمير المسلمين علي بن يوسف، وجرى بينهما ما سبقت الإشارة إليه من الأحاديث. واستمر ابن تومرت في حملته الدينية الأخلاقية دون هوادة. وقد كانت مراكش وغيرها من المدن المغربية، تبدي أيام المرابطين كثيراً من مظاهر التسامح الديني، أو بعبارة أخرى كثيراً من مظاهر الاستهتار والفساد، فقد كانت الخمر تباع علناً وفي الأسواق، وكان النبيذ يشرب دون تحفظ، وكانت الخنازير تمرح في أحياء المسلمين، وكان القصف ذائعاً بسائر صنوفه، ومظاهر التدين ضعيفة باهتة، هذا إلى ما كان يسود الإدارة من تفكك، والقضاء من انحلال واغتصاب لأموال اليتامى، وغير ذلك من ضروب الفساد (١)، وهو ما يلخصه المراكشي في قوله مشيراً إلى عهد علي بن يوسف بن تاشفين " واختلت حال أمير المسلمين بعد الخمسمائة، اختلالا شديداً، فظهرت في بلاده مناكر كثيرة، وذلك لاستيلاء أكابر المرابطين على البلاد، ودعواهم الاستبداد .. واستولى النساء على الأحوال، وأسندت إليهن الأمور، وصارت كل امرأة من لمتونة ومسّوفة، مشتملة على كل مفسد وشرير وقاطع سبيل، وصاحب خمر وماخور، وأمير المسلمين في ذلك كله يتزايد تغافله، ويقوي ضعفه " (٢).

ووقع ذات يوم حادث زاد في لفت الأنظار لابن تومرت ولدعوته. وذلك أن الصورة أخت أمير المسلمين خرجت في موكبها، ومعها عدد من الجواري الحسان، وهن جميعاً سافرات على عادة المرابطين، من سفور النساء، واتخاذ الرجال اللثام. ورأى ابن تومرت هذا الموكب، وأنكر على النساء سفورهن، وأمرهن بستر وجوههن، وضرب هو وأصحابه دوابهن، فسقطت الأميرة عن دابتها، ووقع الاضطراب والهرج، ورفع الأمر إلى أمير المسلمين علي بن يوسف، ففاوض الفقهاء في شأن هذا الداعية المضطرم. وكانت المعلومات التي جمعت عنه منذ حادثة المسجد، هو أنه حديث العهد بالوصول إلى مراكش، وأنه يؤلف الناس، ويقول لهم إن السنة قد ذهبت. وكان علي بن يوسف قد أمر وزيره ينتان بن عمر أن يكشف عن مذهبه، وعن أحواله ومطلبه، فإن كانت له


(١) مقدمة جولدسيهر الفرنسية لكتاب محمد بن تومرت السالفة الذكر ص ٩٧.
(٢) المعجب ص ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>