للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاجة ينظر في قضائها، وكان جواب ابن تومرت حسبما أشرنا من قبل، أن لا حاجة له إلا تغيير المنكر (١).

ورأى أمير المسلمين أن يناظر الفقهاء هذا الرجل. وكان الفقهاء المرابطون يحقدون على ابن تومرت لاعتناقه مذهب الأشعرية، وما يملي به من تأويل المتشابه، ولحملته عليهم، وإنكاره لجمودهم إزاء مذهب السلف، وإقراره كما جاء، وذهابه إلى حد تكفيرهم، فأغروا الأمير باستدعائه للمناظرة معهم (٢)، وقبل ابن تومرت هذا التحدي، وأبدى في مناظرته للفقهاء المرابطين تفوقاً ظاهراً. وقد ورد ذكر هذه المناظرة في كتاب " أعز ما يطلب "، الذي دونه الخليفة عبد المؤمن بن علي عن إملاء ابن تومرت، وملخص ذلك أن المهدي، أو " الإمام المعصوم، المهدي المعلوم " كما يوصف، طلب إلى مناظريه أن يختاروا من ينوب عنهم لمناظرته، فقدموا من اختاروه، وكان مما سألهم المهدي، أن قال لهم طرق العلم هل هي منحصرة أم لا، فأجاب مقدمهم المذكور، نعم هي منحصرة في الكتاب والسنة والمعاني التي نبهت عليها، فقال المهدي، إنما السؤال عن طرق العلم هل هي منحصرة أم لا، فلم تذكر إلا واحداً منها، ومن شرط الجواب أن يكون مطابقاً للسؤال، فلم يفهم مناظره قوله، وعجز عن الجواب. ثم سألهم المهدي عن أصول الحق والباطل ما هي، فعاد مناظره إلى جوابه الأول، فلما رأى المهدي عجزهم عن فهم السؤال، وعجزهم عن الجواب، شرع يبين لهم أصول الحق والباطل، فقال إنها أربعة وهي " العلم والجهل، والشك والظن "، ثم أخذ يشرح ماهية كل منها في كلام طويل، ثم يستعرض الكتاب بعد ذلك آراء المهدي مفصلة عن " الجهل " و " الشك "، و" الظن "، ثم عن " الأصل والحقيقة " ويقسمها إلى أقسام عديدة، وكل قسم منها إلى فصول مختلفة (٣). وكان جل من حضر ذلك المجلس من الفقهاء المرابطين، من علماء الفروع، وليست لهم معرفة بعلم الأصول. ونقول بهذه المناسبة إن علم الأصول أو أصول الدين، يقوم على دراسة الشريعة واشتقاقها من الكتاب والسنة، ودراسة النصوص الشرعية، والأدلة العقلية، وتفاصيل العقائد، وأصول الفقه


(١) البيان المغرب في الأوراق المخطوطة السالفة الذكر.
(٢) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٢٧.
(٣) كتاب محمد بن تومرت أو أعز ما يطلب (الجزائر سنة ١٩٠٣) ص ١ - ٥ و ١١ - ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>