للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أى مصادر الشريعة، ومعرفة النبوة والرسالة، وكل ما يتعلق بذلك. وأما علم الفروع، فإنه يقتصر على دراسة فرائض العبادات والمعاملات وأحكامها، والحدود والأقضية، أو بعبارة أخرى، على دراسة الجانب العملي والدنيوي من الشريعة. وقد كانت الدراسات المفضلة في ظل المرابطين هي علم الفروع. ويقول لنا المراكشي، خلال حديثه عن نفوذ الفقهاء أيام علي بن يوسف، إنه لم يكن يحظى عنده إلا من أتقن علم الفروع أعني فروع مذهب مالك، ثم يستطرد قائلا: " فنفقت في ذلك الزمان كتب المذهب، وعمل بمقتضاها، ونبذ ما سواها، وكثر ذلك حتى نُسي النظر في كتاب الله، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن أحد من مشاهير ذلك الزمان يعتني بهما كل الاعتناء " (١). وقد كان أخص ما تمتاز به هذه المناظرة الدينية، هو أن ابن تومرت أبدى في مناقشته تمسكه بأصول الشريعة، إزاء الفقهاء المرابطين، وهم أقطاب علم الفروع، وأراد أن يبين جهلهم بمناهج الشريعة الحقيقية، فجعل المناقشة تجري على الأصول لا الفروع، وأبدى في عرضه لأصول الشريعة، أنه يرجع خاصة إلى القرآن والحديث، ولا يرجع قط قول مستخرج، ولا يعتبر الإجتهاد مرجعاً من مراجع الشريعة (٢).

ولم يكن بين الفقهاء المرابطين من استطاع أن يقدر براعة ابن تومرت، وتبحره في علوم الدين، سوى فقيه أندلسي هو مالك بن وهيب قاضي مراكش، وقد كان من أكابر العلماء والأدباء، وكان متمكناً من علوم الدين والفلسفة، ولكنه كان لا يظهر من علمه إلا ما يروج في ذلك الزمان (٣). فبين لأمير المسلمين خطورة هذا الرجل، وخطورة دعوته وتعاليمه، وقال له إن هذا رجل، لا يبغي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكنه يبغي تضليل العامة، وإثارة الفتنة، والوصول إلى السلطان، وأشار عليه بقتله، وأشار البعض الآخر على أمير المسلمين، باعتقال الرجل وسجنه، وعبر عن ذلك أحدهم بقوله للأمير: " ألقه في الكبول لئلا يسمعك الطبول ". وخالفهم في ذلك الوزير ينتان بن عمر، وقال


(١) المعجب ص ٩٥ و ٩٦.
(٢) جولدسيهر في مقدمته الفرنسية السالفة الذكر لكتاب محمد بن تومرت ص ٣٩ و ٤٠.
(٣) المعجب ص ١٠٢، ويقول لنا المراكشي إن مالك بن وهيب هذا، قد وضع كتاباً فريداً في بابه اسمه " قراضة الذهب في ذكر لئام العرب " ضمنه لئام العرب في الجاهلية والإسلام، وأنه رأى هذا الكتاب في خزانة بني عبد المؤمن.

<<  <  ج: ص:  >  >>