للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لعلي بن يوسف إن هذا وهن في حق الملك، ونوه بضعف الرجل وضآلة شأنه.

فأمر علي بن يوسف وزيره أن يعتقله لديه أياماً حتى يرى فيه رأيه. ولم تمض أيام على ذلك، حتى جاءت الأنباء بوقوع الفتنة في قرطبة، وأخذ علي بن يوسف في التأهب للعبور إلى الأندلس. فطلب إلى وزيره أن يأتيه بابن تومرت، وحضر بين يديه، وقال له علي بلغني عنك ما صنعت ببجاية وغيرها فتورع الناس عن قتلك، فعرفني بحقيقة غرضك، فقال ابن تومرت غرضي تغيير المنكر، ورفع المغارم، وألا تولي من قبيلتك أحد، وان تتركوا اللثام لأنه من شأن النساء، ولا تجوز به صلاة، فزجره أمير المسلمين، وأمر بإخراجه من مراكش.

وكان ذلك في أوائل سنة ٥١٥ هـ (١).

- ٣ -

غادر محمد بن تومرت وصحبه مدينة مراكش إلى أغمات، وفي بعض الروايات أنه بالعكس استمر حيناً يقيم في خيمة بين مقابر المدينة، وينهال عليه الناس والطلاب، وهو يبث فيهم الدعوة ضد المرابطين، ويرميهم بالتجسيم والكفر، ثم انتهى بأن أعلن بطلان بيعة علي بن يوسف وخلع طاعته عن أعناق أصحابه وتابعيه (٢)، ولكنه اضطر أن يغادر مكانه حينما بلغه أن القوم يضمرون اعتقاله وقتله (٣). ولما حل ابن تومرت بأغمات استمر فيها على طريقته من مطاردة المنكر والحملة على المرابطين، واتخذ لصلاته ودعايته مسجداً خارج أغمات، فأمر صاحب المدينة بإخراجه وإبعاده (٤). فعندئذ قصد ابن تومرت وصحبه إلى بلاد السوس، ولحق بجبال المصامدة، وذهب أولا إلى مسفيوة، ثم إلى هنتانة، ثم إلى إيكلين، ومر في خلال ذلك بكثير من المحلات البربرية، وهو يتوقف أوقاتاً في بعضها، ويبني المساجد، وينضم إليه الصحب والأتباع. وقد فصل لنا أبو بكر الصنهاجي صاحب ابن تومرت، برنامج رحلته منذ خروجه من أغمات، ومسيره


(١) البيان المغرب (الأوراق المخطوطة السالفة الذكر)، وروض القرطاس ص ١١٢، والحلل الموشية ص ٧٣ و ٧٤، وابن الأثير ج ١٠ ص ٢٠٢، والمعجب ص ١٠٢ و ١٠٣، وراجع كتاب أخبار المهدي ابن تومرت ص ٦٨ و ٦٩.
(٢) ابن القطان نقلا عن ابن الراعي (نظم الجمان المخطوط لوحة ١٠ ب).
(٣) هذه هي رواية أبى بكر الصنهاجي أحد أصحاب المهدي في كتابه " أخبار المهدي ابن تومرت " (ص ٦٩) ونقلها صاحب روض القرطاس (ص ١١٣).
(٤) البيان المغرب في الأوراق المخطوطة المشار إليها، وابن خلدون ج ١ ص ٢٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>