للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلال جبال المصامدة، ومن لقيه خلال رحلته من الصحب والأتباع. ورحل ابن تومرت وصحبه بعد ذلك إلى قرية إيجليز أوجبل إيجليز من بلاد هرغة، بلده وموطن قومه وعشيرته، ونزل في مكان منيع لا يصل إليه أحد إلا من طريق لا يسلكها إلا الراكب بعد الراكب، وتدافع عنها أقل عصبة من الناس (١)، وهنالك انهال إليه المصامدة من كل فج، وكثر صحبه وأتباعه، وهو يدعوهم إلى التوحيد، وإلى قتال المجسمين المرابطين، وعكف على تدريس العلم. وكان يعني بالأخص بأن يشرح لأنصاره وتلاميذه نظرية المهدي المنتظر والإمام المعصوم، وما ورد فيها من الأحاديث والأقوال المأثورة، ويبث الخاصة من دعاته بين رؤساء القبائل يمهدون لتلك الدعوة ويبشرون بها. ولما شعر ابن تومرت بأن دعايته قد أتت ثمرتها، وأضحى الميدان ممهداً للعمل، اعتزم أن يعلن إمامته (٢). وفي اليوم الخامس عشر من رمضان سنة ٥١٥ هـ (ديسمبر سنة ١١٢١ م) قام ابن تومرت خطيباً في أصحابه وأعلن إليهم أنه المهدي المنتظر (٣) في خطبة قصيرة ينقل إلينا نصها ابن القطان في " نظم الجمان " فيما يلي:

" الحمد لله الفعال لما يريد، القاضي بما يشاء، لا راد لأمره، ولا معقب لحكمه، وصلى الله على سيدنا رسول الله، المبشر بالإمام المهدي، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلا، كما ملئت جوراً وظلماً، يبعثه الله إذا نُسخ الحق بالباطل وأزيل العدل بالجور. مكانه المغرب الأقصى منبته وزمانه آخر الزمان، واسمه اسم النبي عليه الصلاة والسلام، ونسبه نسب النبي صلى الله تعالى وملائكته الكرام المقربون عليه وسلم، وقد ظهر جور الأمراء، وامتلأت الأرض بالفساد، وهذا آخر الزمان، والإسم الاسم والنسب النسب، والفعل الفعل ". (٤)

وعلى أثر ذلك، وفي ظل شجرة خروب وارفة، هرع إلى المهدي عشرة من

أصحابه الملازمين له، وبايعوه على أنه المهدي المنتظر والإمام المعصوم، وهؤلاء العشرة الأوائل من أصحاب المهدي هم: تلميذه وألصق الناس به عبد المؤمن بن علي،


(١) ابن القطان في نظم الجمان (المخطوط السابق ذكره لوحة ٣٣ أ).
(٢) المراكشي في المعجب ص ١٠٣.
(٣) هذه رواية روض القرطاس (ص ١١٣)، ويؤيدها ابن خلدون، (ج ٦ ص ٢٢٨)، والحلل الموشية ص ٧٨، والزركشي ص ٤، ويقول ابن عذارى إنها كانت في سنة ٥١٨ هـ (الأوراق المخطوطة السالفة الذكر - هسبيرس ص ٨٢).
(٤) نظم الجمان (المخطوط السابق ذكره لوحة ٢٣ أ). الحلل الموشية ص ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>