للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن لم يحفظ حزبه عزر بالسياط، وكل من لم يتأدب بما أدب به، ضرب بالسوط مرة أو مرتين، فإن تمادى في تصرفه وترك امتثال الأوامر قتل، ومن داهن على أخيه أو أبيه أو ابنه أو من يكرم عليه قتل. وشدد المهدي في تنفيذ شريعته وضبط الأمور بحزم، وكان هذا النظام هو أساس الدولة الموحدية المستقبلة (١).

ولما كملت بيعة ابن تومرت على هذا النحو، لقبه أنصاره بالمهدي والإمام المعصوم، وكانوا من قبل يقتصرون على تلقيبه بالإمام. وسمي المهدي وأصحابه وأهل دعوته بالموحدين. ويقول لنا ابن خلدون، إنه اختار لهم هذه التسمية تعريضاً بلمتونة في أخذهم بالعدول عن التأويل وميلهم إلى التجسيم (٢). ووضع لهم في التوحيد كتاباً باللغة البربرية سماه " المرشدة " يحتوي على معرفة الله تعالى، والعلم بحقيقة القضاء والقدر، والإيمان بما يجب لله تعالى، وما يجب على المسلم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتضمن الأعشار والأحزاب والسور، وقال لهم إن من لا يحفظ هذا التوحيد، فليس بموحد، وإنما هو كافر لا تجوز إمامته، ولا تؤكل ذبيحته. قال صاحب روض القرطاس " فصار هذا التوحيد عند قبائل المصامدة كالقرآن العزيز، لأنه وجدهم قوماً جهلة لا يعرفون شيئاً من أمر الدين ولا من أمر الدنيا " (٣). ووضع لهم بالبربرية كتباً أخرى في العقيدة منها كتاب سمي " بالقواعد " وآخر سمي " بالأمانة "، ودونها كذلك بالعربية، وكان ابن تومرت أبرع أهل عصره في إتقان اللغتين العربية والبربرية. ثم وضع بالعربية فيما بعد، كتابه في العقيدة والعلم والإمامة الذي رواه عنه تلميذه وخليفته عبد المؤمن بن علي والذي يفتتحه بقوله " أعز ما يطلب " وهي عبارة أصبحت تعتبر عنواناً للكتاب ذاته (٤). وسوف نتحدث في فصل خاص عن محتويات هذا الكتاب، وعن عقائد المهدي وآرائه الدينية والسياسية بصفة عامة.

ولبث المهدي بن تومرت يبث دعوته، ويعمل على توطيدها في نفوس أنصاره، بفصاحته وذلاقته، ورقيق وعظه، وأعوانه من المخلصين القادرين يجوبون جبال المصامدة، ويدعون إلى إمامته ومهديته، والناس يفدون عليه من كل صوب جموعاً غفيرة، يبايعونه بالإمامة، ويتبركون برؤيته، حتى


(١) ابن القطان في نظم الجمان (المخطوط السالف الذكر لوحة ١٠ أوب).
(٢) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٢٩.
(٣) ابن القطان في نظم الجمان (المخطوط لوحة ٣٤ أ). وروض القرطاس ص ١١٤.
(٤) روض القرطاس ص ٨٠، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>