للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استفحل أمره، وعلا صيته، وكثر جمعه، وأضحى يمثل بما تنطوي عليه حركته من القوى الأدبية والمادية الضخمة، خطراً داهماً على سلطان المرابطين.

وإنه ليحق لنا أن نتساءل هنا، هل كان محمد بن تومرت يضمر منذ الساعة الأولى مشروعه في انتحال صفة المهدي توسلا إلى نيل السلطان، وأنه مذ عاد عقب دراسته بالمشرق إلى المغرب، كان يضطرم بهذه الأمنية الكبيرة، أم أنه حمل على مشروعه، بما رآه من نجاح دعوته، وتكاثر أتباعه، وشعوره بقوة ملأه؟

يلوح لنا أن ابن تومرت كان يضطرم بأطماعه منذ الساعة الأولى، وأنه كان في بداية أمره يتخذ الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ستاراً يتحسس به طريقه، حتى تسنح له فرصة العمل المثمر. يؤيد ذلك ما سبق أن نقلناه عن المراكشي من أن ابن تومرت، كان خلال محادثاته لتلاميذه وأنصاره، يعني بأن يشرح لهم بالأخص نظرية المهدي المنتظر، والإمام المعصوم، ويبعث رسله ودعاته لإذاعتها بين القبائل. وتؤيده كذلك رسالة أشار إليها ابن القطان، قال إنها وجهت من المهدي في آخر شهر رمضان سنة ٥١١ هـ إلى الفقيه القاضي علي بن أبي الحسن الجذامي وفيها يقول بعد البسملة: " أقول، وأنا محمد بن عبد الله بن تومرت، وأنا مهدي آخر الزمان " (١). وقد يؤيده أيضاً ما تردده تراجمه المختلفة من قصة لقائه بالإمام الغزالي، وما ينسب إلى الغزالي، حينما وقف منه على ما فعل المرابطون بكتبه، من دعائه بتمزيق دولتهم، وزوال ملكهم، وأن يكون ذلك على يده، أي على يد ابن تومرت، وما تردده هذه التراجم أيضاً من أن ابن تومرت، قد اطلع في بعض كتب الجفر والملاحم السرية على ما رود فيها بشأن قدره ومصيره، وأنه وقف منها على العلامات والشواهد الخاصة التي يتميز بها المهدي المنتظر، وهي علامات كانت كلها متوفرة فيه (٢).


(١) ابن القطان في نظم الجمان (المخطوط السالف ذكره لوحة ١٤ أ).
(٢) المراكشي في المعجب ص ١٠٣. وراجع أيضاً جولدسيهر في مقدمته الفرنسية لكتاب محمد بن تومرت التي سبقت الإشارة إليها ص ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>