شيعته، وكان له بالأخص أثره في تقوية الروح المعنوية لدى جموع الموحدين.
وبادر علي بن يوسف فجهز جيشاً آخر، أضخم عدة وعدداً، وسيره تحت إمرة الأمير أبى إبراهيم إسحاق، وكان الموحدون قد كثر جمعهم، وقويت نفوسهم، وتزودوا بما غنموه من المرابطين من الخيل والسلاح. فلما التقى الجمعان للمرة الثانية سرى إلى الحشم والجند المرابطين رعب مفاجىء، وانهزموا أمام الموحدين دون قتال، وقتل منهم عدد وافر، واستولى الموحدون على محلتهم، وسائر عُددهم، وكان لهذه الهزيمة الثانية أسوأ وقع في نفس علي بن يوسف، فجهز على الأثر جيشاً عظيماً ثالثاً، وعهد بقيادته إلى الأمير سير بن مزدلي اللمتوني، فلم يكن في قتال الموحدين أسعد حظاً من سابقيه، فأصيب كذلك بهزيمة شديدة وقتلت من جنده جملة وافرة، وكانت نكبة جديدة للمرابطين.
وبدا عندئذ، لعليّ بن يوسف على ضوء هذه الهزائم المتوالية لجيوشه، أن المسألة ليست فتنة محلية، وأن المهدي لم يكن ثائراً عادياً، بل إن الأمر أجل من من ذلك وأخطر، وأن محاربة الموحدين أضحت بالنسبة للدولة المرابطية، معركة حياة أو موت. وشعر المهدي من جهة أخرى أنه أضحى من حيث توطد أمره، ووفرة حشوده، وروح شيعته المعنوية، التي أذكاها الظفر، ندًّا قوياً للمرابطين، وأنه يسير قدماً في هزيمتهم وتحطيم دولتهم، وأنه لن يمضي سوى القليل، حتى ينزعهم سلطانهم، ويقيم دولته الموحدية الجديدة على أنقاض دولتهم، وكان من أثر هذه الثقة بالظفر النهائي، أن وجه المهدي إلى المرابطين، رسالة يدعوهم فيها إلى طاعته، وينذرهم فيها بسحقهم إذا لم يستجيبوا. وإليك نص هذه الرسالة التي يوردها لنا صاحب الحلل الموشية:" إلى القوم الذين استزلهم الشيطان، وغضب عليهم الرحمن، الفئة الباغية، والشرذمة الطاغية، لمتونة، أما بعد، قد أمرناكم بما نأمر به أنفسنا من تقوى الله العظيم ولزوم طاعته، وأن الدنيا مخلوقة للفناء، والجنة لمن اتقى، والعذاب لمن عصى، وقد وجبت لنا عليكم حقوق بوجوب السنة، فإن أديتموها كنتم في عافية، وإلا فنستعين بالله على قتالكم حتى نمحو آثاركم، ونكدر دياركم، ويرجع العامر خالياً، والجديد بالياً، وكتابنا هذا إليكم إعذار وإنذار، وقد أعذر من أنذر، والسلام عليكم، سلام السنة، لا سلام الرضى "(١).