للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقعت هذه المرحلة الأولى من الصراع بين الموحدين والمرابطين في سنة ٥١٦ هـ (١١٢٢ م) وربما كذلك في سنة ٥١٧ هـ. وقد ذكر لنا أبو بكر الصنهاجي المكنى بالبيذق، وقد كان حسبما يقرر لنا من حشم المهدي وخاصته، في روايته في باب غزوات المهدي، أو المعصوم كما يسميه، أن هذه الغزوات الأولى بلغت تسع غزوات متوالية كانت كلها ضد المرابطين، إلا واحدة منها، وهي الغزوة السابعة، فقد كانت لقبيلة هسكورة، وكان من أبرز الوقائع في مقاتلة المرابطين واقعتان، الأولى نشبت بين المرابطين أو الحشم حسبما ينعتهم ابن القطان، وبين الموحدين في بلدة تادرارت، وكانت معركة عنيفة هزم فيها الموحدون، وفني معظمهم أو قتلوا جميعاً حسبما يروى ابن القطان. ونشبت الموقعة الثانية في آنسا، وكانت الدائرة في هذه المعركة على الموحدين، فقتلت منهم جملة كبيرة. أما غزوة هَسْكورة، فلأنها كانت من القبائل المتخلفة عن بيعة المهدي، والاعتراف بطاعته، وفي هذه الغزوة اشترك المهدي بنفسه في القتال، وأصيب بجراح، وأسرع أنصاره بحمله وإنقاذه (١). والواقع أن المهدي لم يقتصر في بداية أمره على مقارعة المرابطين أو لمتونة، ولكنه شغل في نفس الوقت بمحاربة القبائل المجاورة المتخلفة عن بيعته وطاعته، مثل هسكورة، ورَجراجة، وهزرجة، وغجرامة، وكثير من بطون المصامدة، وكان بعض هذه القبائل مثل هزرجة وهسكورة من حلفاء لمتونة، فكان المهدي يشتد في قتالهم ويرغمهم على الطاعة قبيلة بعد أخرى، حتى دانت له سائر القبائل الخارجة، من المصامدة ومن غيرهم (٢)، وجاز المهدي بعد ذلك إلى جبال دَرَن، فاحتوى على سائر بلادها ومحلاتها من بلدة تامبوت إلى ماغوصة إلى جنفيسة، تم جاز إلى تادرارت حيث وقعت هزيمة الموحدين الأولى، فأغار عليها الموحدون وقتلوا أهلها قتلا ذريعاً. وأنفق المهدي في تلك الحروب والغزوات المحلية زهاء ثلاثة أعوام، من سنة ٥١٦ إلى سنة ٥١٨ هـ (١١٢٢ - ١١٢٤ م)، وبذلك استطاع أن يبسط سلطانه المطلق على منطقة السوس كلها.

وفي سنة ٥١٨ هـ، غادر المهدي جبل إيجليز بعد أن أقام فيه ثلاثة أعوام،


(١) كتاب أخبار المهدي ابن تومرت ص ٧٤ - ٧٨، وابن القطان في نظم الجمان (المخطوط السابق ذكره لوحة ٤٦ أ).
(٢) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٢٨، وروض القرطاس ص ١١٥، والزركشي ص ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>