للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سرقسطة وما إليها، ودعا عامر لنفسه بولاية الأندلس، بمرسوم زعم أنه تلقاه من أبي جعفر المنصور، وخرج الشمال كله عن قبضة يوسف الفهري.

أما الصميل فارتد إلى طليطلة التي أسند إليه يوسف ولايتها بدلا من سرقسطة، وكان يوسف قد أنهكت قواه واستنفدت موارده تلك الحروب والثورات المتوالية، فاضطر أن يلزم السكينة حيناً. وبسط عامر سلطانه زهاء عامين، على كورة سرقسطة. وفي أواخر سنة ١٣٧هـ (٧٥٤ م) سار يوسف إلى سرقسطة في جيش كبير، وحاصرها بشدة حتى ضاق أهلها بالحصار ذرعاً، ورأوا أن يتقوا مصائب الحصار، بتسليم عامر وابنه وهب والحباب الزهري إلى يوسف، فحملهم يوسف معه في الأصفاد، وارتد صوب طليطلة، ثم أمر بهم فقتلوا أثناء الطريق، وتخلص يوسف بذلك من آخر الزعماء الخوارج عليه (١). ولكنه لم يقدر أن خطراً آخر سيأتيه من خارج الجزيرة، وينذر جميع مشاريعه وتدابيره بالانهيار. ذلك أنه ما كاد يجتمع بصديقه وحليفه الصميل في ظاهر طليطلة، حتى أقبل عليه رسول من قرطبة يحمل كتاباً من ولده عبد الرحمن، خلاصته أن فتى من بني أمية يدعى عبد الرحمن بن معاوية قد نزل بساحل الأندلس في ثغر المُنكّب Almunecar، واجتمع إليه أشياع بني أمية في كورة إلبيرة (غرناطة)، وانتشرت دعوته في جنوب الأندلس بسرعة. وذاع الخبر في جيش يوسف فأحدث فيه ذعراً واضطراباً، وتفرق كثير من جنده. وقيل إن نبأ مقدم الأمير الأموي انتهى إلى يوسف أثناء سيره إلى الشمال ليقاتل نصارى جلّيقية، وبعد أن سحق الثوار في سرقسطة (٢). وعلى أى حال فقد بادر يوسف والصميل فيمن بقى من الأشياع والجند بالسير إلى قرطبة، ليدبرا الخطط لرد هذا الخطر الجديد، وكان ذلك في أواسط سنة ١٣٨هـ (أواخر سنة ٧٥٥ م).

وفي أثناء هذه الفتن والقلاقل المتواصلة، استولى الفرنج كما قدمنا على جميع القواعد والأراضي الإسلامية في سبتمانيا ولانجدوك، وهي التي تكون ولاية الثغر أو رباط الثغر، ولم يبق منها بيد المسلمين سوى أربونة. وكانت


(١) راجع في تفصيل هذه الحوادث، ابن الأبار في الحلة السيراء ص ٥٢؛ وابن الأثير ج ٥ ص ١٤٠ و١٨٤؛ والبيان المغرب ج ٢ ص ٤٣ و٤٤؛ وكذا في Dozy: Hist: V.I.p. ١٨٤ & ١٨٥
(٢) ابن القوطية ص ٢٠؛ ونفح الطيب ج ١ ص ١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>