أمنع قلاع المسلمين فيما وراء جبال البرنيه، وقد استطاعت أن ترد غزوات الفرنج أيام كارل مارتل. فلما فقدت أربونة بطلها المدافع عنها أعني عبد الرحمن اللخمي فارس الأندلس، وسقطت أراضي الثغر كلها في يد النصارى، زحف ببين ملك الفرنج ومعه حليفه الكونت آنزيموند القوطي أمير سبتمانيا على أربونة، وطوقها بقوات كثيفة وضرب حولها الحصار الصارم (سنة ٧٥٥ م). وكانت أربونة في غاية المنعة والحصانة، فاعتزم المسلمون الدفاع عنها لآخر نسمة، واضطر ببين خلال الحصار أيضاً، أن يرتد عنها بقسم من جيشه لمحاربة أمير أكوتين حفيد الدوق أودو، ورده عن الأراضي الفرنجية، وترك آنزيموند لمتابعة الحصار. ولكن آنزيموند قتل أثناء ذلك غيلة تحت أسوار أربونة، فعاد ببين لاستئناف الحصار وهاجم المدينة المحصورة مراراً، ولكن المسلمين استطاعوا أن يقاوموا الفرنج، ْوأن يردوا كل هجماتهم مدى أربعة أعوام، رغم عزلتهم وانقطاع صلتهم بالأندلس، وعدم تلقيهم أى مدد من أولى الأمر في قرطبة، لاشتغالهم بالحرب الأهلية. وكان اتصال المدينة بالبحر يسهل على المسلمين تلقى بعض المؤن، وتحمل ويلات الحصار. فلما رأى ببين أنه لا يستطيع أخذ المدينة بالحرب لجأ إلى الخديعة والخيانة، وتفاهم مع أهلها القوط، وقطع لهم عهوداً مؤكدة أنهم إذا عاونوه على أخذها، فإنه يترك لهم حرية التمتع بقوانينهم، ويمنحهم حقوقاً ومزايا كثيرة، فعمل القوط على إضرام الثورة داخل المدينة، ثم انقضوا ذات يوم على حراسها المسلمين وقتلوهم وفتحوا أبوابها، فدخلها الفرنج وفتكوا بسكانها المسلمين أيما فتك، وخربوا مساجدها ومعاهدها ودورها وذلك في سنة ٧٥٩ م (١٤٢هـ)(١). وسقطت بذلك آخر المعاقل الإسلامية في غاليس في يد النصارى، وانهارت سيادة الإسلام فيما وراء جبال البرنيه، بعد أن استمرت هنالك زهاء نصف قرن، وعادت قوى النصرانية، فاحتشدت وراء تلك الآكام تتربص بالإسلام في الأندلس، بينما كانت قوى الإسلام داخل شبه الجزيرة يمزق بعضها بعضا.
وحذا نصارى الشمال حذو الفرنج في الاستفادة من تمزق الإسلام بالأندلس، ونريد بنصارى الشمال تلك البقية الباقية من القوط الذين ارتدوا أمام الفتح الإسلامي